الدور التربوي للمسجد في الإسلام
- المجموعة: مقالات تربوية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 7421
فمن المعلوم أن التعامل مع المسجد وفق النظرة الإسلامية له آداب خاصة ينبغي لكل مسلم يتردد إلى المساجد أن يتحلى بها لكي تحقق الغايات التي من أجلها شجع الله سبحانه عباده، وقد ورد في الروايات ما يدل على تلك الآداب ومنها.
- عن أبي ذر: قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف تعمر مساجد الله ؟ قال: (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ترفع فيها الأصوات، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك.
- جنّبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم إلا بذكر الله تعالى ، وبيعكم وشرائكم وسلاحكم . .. (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من سمعتموه ينشد شعراً في المساجد فقولوا: " فضّ الله فاك "، إنما نصبت المساجد للقرآن.
- نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن سلّ السيف في المسجد، وعن بري النبل في المسجد، قال: إنما بني لغير ذلك. عن الباقر أو الصادق (عليهما السلام).
- عن الباقر (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة.
- عن أبي بصير قال: سألت الإمام الصادق (عليه السلام) عن العلة في تعظيم المساجد ؟ فقال (عليه السلام) إنما أمر بتعظيم المساجد لأنها بيوت الله في الأرض.
من مجموع هذه الروايات يتضح أن للمسجد فضلاً بسبب دوره الإيجابي في بناء العلاقة القوية والمتينة بين المؤمن وربه وله دور تربوي فاعل في حياة المسلم، لأنه الطريقة التي أمر بها الإسلام أتباعه بسلوكها حين التردد إلى المساجد، فهذا لا يعني أن يقتصر هذا التعامل على حدود المسجد فقط، بل ينبغي أن يتعداه إلى غيره من مجالات الحياة المتنوعة.
فالإسلام يربي أتباعه على التحلي بالأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة التي لها تأثير إيجابي فاعل في حياة المسلم كما في الحديث الشريف: (المسلم من سلم الناس من يده ولسانه) و (المؤمن أخو المؤمن. ..) إلى غير ذلك من الروايات التي تشير إلى نفس المعنى والمضمون.
وطريقة التعامل التي فرضها الإسلام حين التردد إلى المساجد هي نوع من التربية للإنسان المسلم في سلوكه حين التواجد ضمن حدود المساجد، ثم لتنتقل معه من المسجد إلى خارجه من ميادين الحياة العامة.
ومن مضمون الروايات التي ذكرناها يمكن استخلاص العناوين التربوية التالية التي ينبغي على المسلم مراعاتها في المسجد أولاً وخارجه ثانياً وهي:
أولاً: الوقار والسكينة: حيث إن المسجد هو مكان العبادة لله تعالى، وبالتالي ينبغي على المسلم أن يتحلى بالهدوء والسكون والوقار والخضوع لله سبحانه، ولهذا نرى أن الإسلام نهى عن الضحك واللعب واللغو في المساجد، ونهى عن تردد المجانين والصبية الذين لا يمكن ضبط تحركاتهم وتصرفاتهم لأن كل ذلك منافٍ للهدوء المطلوب توافره في المسجد والذي يوفر للمترددين إلى المساجد فرصة التوجه بخشوع واطمئنان نحو الخالق تبارك وتعالى.
ثانياً: ترك الباطل: والباطل هو عبارة عن الأمور التي تخالف الإسلام في الفكر أو السلوك، والمسلم حين يدخل المسجد عليه أن لا يقوم بأي تصرف يخالف الإسلام لا في الفكر ولا في السلوك، لأن هذه المخالفة تنافي الهدف من التردد إلى المسجد وهو تقوية الالتزام والانضباط بأحكام الإسلام وتوجهاته الفكرية والعملية.
ثالثاً: عدم الخوض في الأمور الدنيوية: وذلك كمسائل البيع والشراء والتجارة وما ينتج عنها من الربح والخسارة، لأن هذه الأمور محلها الأسواق وما أشبه ذلك، والغوص في ذكر هذه الأمور في المساجد مناف لطبيعة المسجد ووظيفته في الارتقاء بالإنسان عن التعلق بالدنيا وزخارفها وزينتها، ولذا ينبغي على زائر المسجد أن ينقطع فترة وجوده فيه عن الخوض في هذه الأمور وينصرف إلى حالة اللجوء إلى الله وطلب المدد والعون منه لكي يكون المؤمن قوياً في مواجهة مغريات الدنيا ومفاتنها التي جرفت الكثير من أجيال البشرية نحو النار وبئس القرار.
رابعاً: الإعتياد على احترام المقدسات: لأن المسجد كمكان مقدس له قيمة ذاتية في الإسلام، وعندما يعتاد المسلم على تقديس المسجد واحترامه نظراً لقيمته ودوره، فهذا لا بد أن ينعكس احتراماً لكل مقدس في الإسلام مما له قيمة ذاتية وعملية أو أخلاقية وتربوية، وما شابه ذلك مثل القرآن والسنة النبوية وسيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وغير ذلك.
خامساً: توقير الإنسان لنفسه: لأن الله سبحانه وتعالى لا يرضى للمسلم بأن يهين نفسه أو أن يضعها في مواضع الحرج والهتك وعدم الاحترام أمام الآخرين، ولذا نرى أن الإسلام ينهى المسلم عن كشف أجزاء من جسده خلال تواجده في المسجد صوناً لنفسه وتوقيراً لها أمام إخوانه المسلمين المتواجدين معه، ولذا من المكروه على المسلم كشف القسم الأعلى من جسده أو ما فوق ركبته إلى حدود العورة لأن هذا قد يعتبر نوع من سوء الأدب وعدم الحياء ـ أمام الخالق، فضلاً عن أنه نوع من الاستهتار والاستخفاف بالمسجد وقدسيته، وقد يعتبر أيضاً نوع من التهاون في أداء حقوق الواجبات والطاعات المطلوب من المسلم تأديتها بأدب رفيع وذوق عالي المستوى خصوصاً عند الوقوف بين يدي الخالق المتعال سبحانه.
سادساً: عدم تضييع الوقت في المسجد: لأن التواجد في المسجد فرصة على المسلم أن يغتنمها ويستفيد منها حتى لا تضيع عليه فوائدها وآثارها الإيجابية، والتواجد في المسجد كله فوائد إذا عرف المسلم كيف يستغل الوقت خلال مكوثه فيه، ولذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحديث المعروف عنه: (من تردد إلى المساجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو سمع كلمة تدل على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياءً)، ولذا فالمسجد ليس مكاناً للتلهي بالأمور الصغيرة التي يمكن تأديتها خارجه، وليستغل المسلم فترة وجوده في المسجد لزيادة العلاقة مع الله بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن والتذاكر بقضايا الإسلام والمسلمين والاستفادة من أحكام الإسلام لما ينفعه في سيرته الدنيوية وما هو محل ابتلائه في الحياة الدنيا، ولذا نجد في الحديث الوارد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يؤكد هذا التوجه حيث يقول: (يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلً، أو ذاكر لله تعالى، أو سائل عن علم).
وهذه العناوين التي يندرج تحت كل واحد منها العديد من العناوين الفرعية الكثيرة لا يقتصر دورها التربوي على التواجد في المسجد، بل يجب أن تنطلق منه إلى الخارج ومعنى ذلك أن تصبح هذه العناوين أدباً للمسلم وسلوكاً في حياته مع كل شيء يحيط به ويتعامل معه، وبهذا يكون المسجد قد شارك في بناء الإنسان تربوياً من خلال ما يزرعه في نفسه عند التواجد في المساجد والتردد إليه.
وأخيراً نسأل الله عزوجل أن يوفقنا جميعاً لنكون من المتأدبين بآداب المسجد ومن الذين يتربون من خلاله التربية الإسلامية الهادفة والواعية.
والحمد لله رب العالمين