دور المراقبة
- المجموعة: مقالات تربوية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 10258
يتحدث هذا الجو من الآيات والروايات عن المراقبة ودورها في حياة الإنسان المسلم الملتزم، والمراقبة هي أن يقوم الواحد منا بجردة حساب بشكل دوري لأفعاله وأقواله وينظر في مقدار الموافق منها والمخالف لأوامر الله ونواهيه، فإن كانت كلها موافقة فهذا دليل خير وعافية واستقامة، وإن كان بعضها مخالفاً فهذا نذير للإنسان وعليه أن يعمل على إصلاح هذا البعض المخالف من خلال معالجته للأسباب التي أدت إليه، لأن الإهمال والغفلة ونسيان الاعتناء بمراقبة النفس قد يجر إلى ما لا تحمد عقباه، في الدنيا والآخرة، خاصة اذا كان المخالف من الفعل والقول في قضايا الكبائر التي توعد الله على مرتكبيها النار وبئس القرار.
ولذا نجد في أدعيتنا المباركة التي تعلمنا أدب التواصل مع الله أنها ترشدنا إلى نكون مع الله في أغلب ساعات النهار والليل حتى لا نعيش الغفلة أبداً، كما ورد في دعاء الصباح والمساء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): ( اللهم اجعل لنا في كل ساعة من ساعاته خطاً من عبادتك، ونصيباً من شكرك، وشاهد صدق من ملائكتك... ).
وأول عمل وأهمه يمارسه المراقب ليكون المنطلق الصحيح لفعل المراقبة اللاحق هو أن يحصي الإنسان مساوئ نفسه في كل الأمور، في ارتباطه بالله وإيمانه وعلاقته به والكيفية التي يتواصل بها مع ربه، ثم ينظر في أخلاقه وسلوكياته وعلاقاته مع الناس ومدى انحراف قسم منها عن الطريقة الإسلامية، ثم يعمل بعد ذلك على التخلص من تلك المساوئ، وقد ورد في أحاديثنا ما يشير إلى هذا الأمر لهم كما في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ( على العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين والرأي والأخلاق والأدب فيجمع ذلك في صدره أو في كتاب ويعمل في إزالتها ).
ثم ينبغي على المراقب أن يتعامل مع أيامه ولياليه بطريقة منظمة لا هدر فيها، وعلى الإنسان أن يجعلها طاعة لله وتقرباً إليه، ولذا من الضروري أن يتعامل مع الوقت بطريقة يحقق منها الاستفادة الأكبر لآخرته ودنياه عبر تقسيمه تقسيماً يتوافق مع كل احتياجاته للآخرة والدنيا بحيث يحصل عليها بنحو الكفاية المنسجمة مع التوجهات الإلهية، ولذا ورد في الحديث: ( إجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم ).
وينتج عن هذا التقسيم أن يعمل المراقب على تنظيم برنامج لمناجاة الله يمارسه يومياً موزعاً إياه على امتداد الليل والنهار ويشمل الواجبات والمستحبات وبعض الأذكار والأوراد والأدعية وقراءة القرآن وغير ذلك مما لا يؤدي إلى حصول فراغات واسعة لا يتواصل فيها الإنسان مع ربه، وهذه الطريقة يمكن أن تساعد على التخفيف ما أمكن من الذنوب والمعاصي، لأن العيش المتواصل مع الله بهذه الكيفية يمنع من أن يخالف المرء توجهات ربه عز وجل، وتعينه على أمور دنياه وآخرته.
ومن المسائل المهمة في حياة الإنسان المراقب لنفسه والمريد لها خيراً أن يستفيد من الماضي لحاضره ويتعظ من حياة الآخرين شعوباً وأفراداً لأن ذلك يوضح له السلبيات التي أدت إلى سقوط البعض أو الإيجابيات التي أدت إلى نجاح البعض الآخر، وقد ورد في رواياتنا ما يشير إلى ذلك، منها: (اصبروا على الدنيا فإنما هي ساعة، فما مضى منه فلا تجد له ألماً ولا سروراً، وما لم يجئ فلا تدري ما هو، وإنما هي ساعتك التي أنت فيها فاصبر فيها على طاعة الله واصبر فيها عن معصية الله).
ولذا نجد في الحديث الشريف أن تساوي الأيام معتبر على أنه (غبن)، باعتبار أن على الإنسان أن يترقى يوماً بعد يوم في حالات الطاعة والقرب، لا أن يكون غده أقل من يومه الذي هو فيه، ولا شك أن الارتقاء في الغد عن اليوم هو دليل مراقبة للنفس ودفع لها نحو الأفضل عند الله عزوجل لأن النجاة عنده إنما هي في هذا المسار الإيماني المترقي يوماً بعد يوم دون غيره من المسارات الأخرى التي قد لا يعيش معها الإنسان الطمأنينة على مصيره عنده سبحانه.
وختاماً نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لنراقب أنفسنا ونحاسبها كل يوم وأن يظللنا برحمته يوم لا ظل إلا ظله ولا سلطان إلا سلطانه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.