التوازن والتكامل بين دور المحاضر ودور الخطيب
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 7008
إلا أن هذا التطور الكبير والمهم الذي وصل إليه تأثير عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام لم يرافقه تطور أو تجديد أو تنظيم لنفس طريقة إحياء المناسبة لتحقيق المواكبة الفاعلة التي تبقي عاشوراء في حالة ارتقاء دائم وتأثير مستمر، ويتجلى عدم المواكبة في العديد من الأمور، الا اننا سوف نقصر الكلام على جانب واحد نرى فيه الأولوية في هذا المجال على غيره نظراً لدوره المهم والفاعل في حضور عاشوراء بين الجماهير ولاستقطابهم إليها، وهذا الجانب هو دور (الخطيب والمحاضر)، والمراد من الخطيب هو (قارئ العزاء الذي يتلو السيرة الحسينية بما تتضمن من أحداث وقتل وقتال ومحاورات بطريقة مؤثرة ومحزنة)، والمراد من المحاضرهو الذي يحلل أبعاد وخلفيات وأسباب ونتائج الثورة الحسينية ويستعرض المفاهيم الإسلامية وما له علاقة بالواقع المعاش وربط كل ذلك بكربلاء الحسين عليه السلام.
ولا بد من الإشارة قبل الدخول في هذا الموضوع إلى أن موسم عاشوراء هو موسم قصير لا يتجاوز الأيام العشرة مع لياليها، لأن هذا الوقت هو الأهم لإحياء المناسبة. وإن استمر بعد العشر من المحرم، فإن هذا الاستمرار ليس بنفس الزخم والجذب لعموم الناس، مما يعني أن أية ثغرة أو سلبية تحصل خلال العشرة تؤثر بنسبة مهمة على الإحياء وتقلل من فرص الاستفادة من هذه المناسبة.
وبالرجوع إلى موضوعنا، وبالمعايشة المستمرة منذ سنوات لهذا الجانب من إحياء عاشوراء يمكن ملاحظة السلبيات التالية على مستوى كل من الخطيب والمحاضر، وأما سلبيات خطباء المنبر الحسيني فيمكن حصرها فيما يلي:
- طريقة القراءة التي غالباً ما يحصل فيها نوع من التطويل والتمديد في الكلمات والقصائد بأسلوب قد لا يفهمه الكثير من الناس.
- اللهجة غير اللبنانية التي يستعملها القراء والتي لا تنسجم مع العرف العام في لبنان بحيث لا تؤدي هذه اللهجة التأثير المطلوب لعدم تفاعل الناس.
- ضعف المستوى عند العديد من القراء، وهذا ما يؤدي إلى إضعاف العديد من المجالس كما رأينا ذلك في إغلب المناطق اللبنانية.
- التبدل في قراء العزاء بحيث إن بعض المجالس تستبدل قراء عديدين خلال الليالي العشر مما يفقد المناسبة في تلك المجالس زخمها وقوتها.
- إنصراف العديد من القراء إلى التوسعة في مجالسهم وأخذ دور المحاضر والخوض في العديد من الموضوعات البعيدة عن المناسبة، مع أن المطلوب الأساس من قارئ العزاء هو ربط الناس بعاشوراء وشدهم إليها عاطفياً ونفسياً وانفعالياً واستدرار الدمعة من عيونهم وإيجاد الحزن في قلوبهم ونفوسهم.
- عدم الإهتمام الجدي والفاعل بمناطق التواجد الشيعي الضعيف كالشمال وبلاد جبيل وكسروان أو انتداب شبيهي قراء العزاء لتلاوة السيرة الحسينية في تلك المناطق وأما سلبيات المحاضرين فيمكن حصرها فيما يلي:
- عدم وجود برنامج واضح يطبقه المحاضرون مما يؤدي بالتالي إلى الكثير من التكرار، وبالتالي يقلل كثيرا من إمكانية ضخ المفاهيم في أوساط الجماهير المطلوب توعيتها من خلال هذه المناسبة وربطها بعمق بالإسلام وبالشريعة وأهدافها.
- التركيز على قضايا الواقع المعاش سياسياً واجتماعياً وضمن معالجات سطحية لا تنفذ إلى العمق ومن دون طرح الحلول انطلاقاً من الشريعة الإسلامية ومن دون ربط ذلك أيضاً بكربلاء ـ ثورة الإصلاح والتغيير ـ التي لها الفضل في إيجاد هذا الجو من الربط بين الجماهير والمحاضرين مع إهمال كبير للجانب الفكري والإنساني للثورة الحسينية.
- ضعف المستوى عند العديد من المحاضرين أيضاً، أو عدم الوضوح فيما يطرحونه من أفكار ومفاهيم مما يترك تشويشاً أو تشويهاً في أحيان أخرى للعديد من القضايا المهمة والحيوية.
ومع كل هذه السلبيات فلا شك أن الإيجابيات المتحققة من خلال إحياء عاشوراء هي أكبر بكثير من الذي ذكرناه، ولكن هذا لا يعني أن نستمر على ما نحن عليه اليوم.
ولا ننكر أيضاً المحاولات الجادة والمخلصة والهادفة من المعنيين بالإحياء لتجاوز السلبيات، ولكنها للأسف لم تستطع أن تصل إلى الهدف المطلوب لاعتبارات عديدة، أهمها فقدان التخطيط وغياب الرقابة الميدانية.
لذا نجد أن من المهم جداً الوقوف عند هذه السلبيات، والسعي لوضع الخطط والبرامج التي تعالجها حتى يكون الإحياء محققاً للأغراض المطلوب الوصول إليها من عاشوراء الحسين عليه السلام.
والإقتراحات التي يمكن أن نراها موصلة للنتائج المرجوة سواء على مستوى الخطباء أو المحاضرين هي التالية:
أولاً: على مستوى قراءة العزاء:
- إيجاد معهد متخصص بتعليم قراءة العزاء عبر الاستعانة بخبراء في هذا المجال يتولون وضع البرامج لذلك، سواء على مستوى تعليم الإلقاء، أو على مستوى المضمون التاريخي لواقعة كربلاء، أو على مستوى اللهجة الواضحة والمفهومة لدى عموم الناس، وهذا المعهد كان من ضمن أهم الأفكار المطروحة منذ زمن ولم يزل كذلك، مع أن الحاجة قد صارت ملحة وضرورية ولا بد من إخراج هذه الفكرة إلى حيز التنفيذ، والمباشرة بالعمل بها.
- دراسة ميدانية مفصلة للساحة اللبنانية ككل ووضع مخطط شامل للمجالس ـ المركزية منها والفرعية ـ وانتخاب القراء المناسبين للمجالس بطريقة مدروسة لا عشوائية كما قد يحصل في العديد من المجالس حالياً وفي الفترات السابقة.
- إيجاد جهاز تنفيذي لإدارة المجالس بشكل مباشر من خلال متابعة أوضاع القراء والمجالس ومراقبة سيرها ومعالجة الثغرات في هذا الجانب بسرعة دون تسرع، هذا على مستوى كل منطقة على حدة، وأن ينتدب هذا الجهاز لكل مجلس شخصاً قادراً على التقييم الصحيح للمجلس من كل النواحي ورفع تقرير بذلك في نهاية عاشوراء.
- عقد جلسات لقراء العزاء قبل بداية كل موسم لإيضاح التوجهات والأهداف التي ينبغي على القراء ملاحظتها أثناء قراءة المجالس، خاصة في مجال القضايا العقائدية والمذهبية والتاريخية وقضايا الواقع المعاش.
ثانياً: على مستوى المحاضرين:
- إنتداب لجنة خاصة من أهل الرأي والفكر لتحديد الأولويات فيما ينبغي طرحه كل موسم من مواسم عاشوراء بما يتناسب مع الواقع المعاش على المستويات السياسية والاجتماعية والفكرية والإعلامية، وتوزيع ذلك على كل المحاضرين المقترحين أو المحتملين للمجالس.
- إنتخاب المحاضرين القادرين فكرياُ على إيصال الأفكار والطروحات بشكل مقبول بحيث تتحقق الأغراض المحددة للموسم العاشورائي.
- توزيع الخطباء وفق أهمية المجالس، فمحاضرو المجالس المركزية ينبغي أن يتم تحديد مواصفاتهم والشروط التي ينبغي توفرها فيهم وهي غير تلك المطلوبة في محاضري المجالس الفرعية.
- وجود لجنة متخصصة تتولى التنسيق بين المحاضرين والمجالس التي سيحاضرون فيها، مع متابعة أي ثغرة في هذا الجانب يمكن أن تحصل كما نرى في معظم مواسم عاشوراء من تبدل في المحاضرين نتيجة ظروف قد تحصل لدى البعض منهم، ويمكن لنفس الجهاز التنفيذي للمجالس أن يتولى هذه المهمة هنا ولا ضرورة لإيجاد لجنة خاصة بذلك فيما لو أمكن الجمع بين هذين العملين.
ولا ندعي فيما ذكرناه أننا قد استوفينا كل السلبيات والثغرات على مستوى العزاء والمحاضرين، ولا على مستوى اقتراحات الحلول، لكن يمكن أن يكون ما عددناه من اقتراحات مدخلاً إلى المعالجة الصحيحة التي يستطيع العاملون في هذا المجال أن يعملوا على تكاملها مع الوقت حتى نصل إلى المرحلة التي يتم فيها إحياء هذه المناسبة المهمة وتحقيق الأهداف التي نصبو إليها جميعاً.