الإطمئنان والثبات عند العاملين
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2045
قال الله تعإلى: { وكلاً نقصّ عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظةٌ وذكرى للمؤمنين ) 120ـ هود . إنّ السعي من أجل تبليغ شريعة الله عزّ وجلّ يعتبر من الأعمال الجليلة والرائدة في مجال تصحيح المسار الإنساني في الميادين الفكرية والسلوكية على حدٍّ سواء ، وهذا السعي غالباً ما يصطدم بعقبات وموانع متعدّدة ناتجة عن أسباب وخلفيات يجمعها كلّها عنوانٌ واحد هو: (( تغليب جانب المصلحة النفعية الدنيوية القائمة على الإنحراف عن الصراط الإلهي المستقيم )) . ونظراً للعقوبات التي عانى منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) في طريقه وجهاده لتبليغ الرسالة الإسلامية حيث واجهته الصعوبات المتنوعة التي لم تقف عند حدّ الصدّ الكلامي القائم على الإتّهامات المتنوّعة من السحر والجنون والتلقين عن غير طريق السماء ، بل وصلت إلى حدّ الإعتداء على شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) كما كان يحصل من بعض أكابر قريش حسب التقسيم الجاهلي وكما حصل معه (صلى الله عليه وآله وسلم ) في الطائف وغيرها . تلك
الأجواء السلبية التي تحيط بالعاملين في سبيل نشر الرسالة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الإستسلام أو الإنكار أو فتور الهمّة بسبب الضغط المتزايد الذي تتسبّب به مسالك المشكّكين والمعاندين والرافضين للإنصياع ، وهذا فيه ما لا يخفى من الأخطار على كلّ المستويات الفكرية والعملية في مسيرة الإسلام والساعين لنشره بين الناس لإنقاذهم ممّا هم فيه من الضلال . لهذا نجد أنّ الآية الكريمة تحاول أن تعطي دفعة من القوّة المعنوية والحزم الإرادي وتجديد الثقة للعاملين من خلال توجيه الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بأنّ الذي تعاني منه من الصدود والجحود بدعوتك ورسالتك لم تقتصر عليك من بين الأنبياء والرسل (عليهم السلام) لأنّ كلّ واحدٍ منهم لاقى من الصعوبات والموانع والعقبات في طريق الله ما لقيته أنت من قومك ، ولست وحدك من بينهم الذي تعرّض لكلّ المضايقات وإن كانت أصعب عليك وأشد . وهذا البيان الإلهي الذي يكشف عن الجوانب المريرة التي عاناها الأنبياء (عليهم السلام) في سبيل تحمّل الرسالات السماوية وتبليغها لا ينبغي حسب الآية الكريمة أن تكون سبباً للرجوع إلى الوراء على مستوى الحركة وعلى مستوى البذل والتضحيات ، لأنّ الإصرار على مواصلة العمل مع وجود المعوّقات والضغوطات هو الذي قد يؤدي في نهاية الأمر إلى قبول العقيدة الإلهية كأمرٍ واقع لكي تأخذ طريقها بعد ذلك إلى العقول والقلوب المتعطّشة إلى الخلاص من كلّ ما يعيق حركتها في التوجّه إلى المعبود الأصلي. وتلك الأجواء الواثقة والمطمئنة التي تطرحها الآية الكريمة مرتبطة بشكلٍ أساس بصحّة وسلامة وقوّة ما يطرحه الأنبياء (عليهم السلام) من الإيمان بالله الواحد القهّار ومن ضرورة بناء الحياة على أساسٍ من تلك التوجّهات الإلهية التي توازن ما بين متطلّبات الحياة الآخرة وبين الحياة الدنيا بالنحو الذي تؤمّن للعقيدة سبيل الدخول إلى النفوس لتستقرّ فيها وتشيع فيها عوامل الإطمئنان المنتقلة من المبلّغين إلى أولئك الناس . من ذلك كلّه ، يمكن القول إنّ أيّ ضعفٍ في الإيمان أو في التوجّه أو في عملية التبليغ وتحمّل مسؤولية الرسالة بسبب الصعوبات والمعوّقات لن تقتصر آثاره ونتائجه السلبية على هؤلاء فقط ، بل ستنعكس بطريقةٍ أسرع وأقوى إلى نفوس أولئك الذين لم يؤمنوا بعد ولم يتعرّفوا إلى الإسلام بالطريقة التي تحصّنهم وتجعلهم في مستوى من أوصلوهم إلى مرحلة الإيمان والإلتزام بهذا الدين العظيم . لذلك لا بدّ من أن يلتفت العاملون للإسلام إلى المسؤولية الخطيرة والحسّاسة جداَ في هذا المجال ، وأن لا يسمحوا للظروف والأوضاع المنحرفة التي قد توجد ـ وهي موجودة ـ وتشكّل عائقاً أمام حركة التبليغ من أن تسيطر عليهم وتهيمن على مشاعرهم ، وليكونوا على ثقةٍ تامّة وإطمئنانٍ بأنّ الذي يطرحونه هو الحق الذي لا حقّ بعده ، وهو الطريق الأوحد الذي لا طريق غيره كما قال الله سبحانه في الآية المتصدرة :{ وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين }، ولهذا يعتبر الثبات والقوّة في التمسّك بالطرح الإسلامي في مواجهة الآخرين الذين يزرعون الشوك هو السلاح الأقوى الذي يزعزع عوامل الثقة المهزوزة بشكلٍ عام عند أولئك وهذا ما هو واضح من إثارتهم للمشكلات بوجه العاملين للإٍسلام والساعين لإنقاذ الإنسان من الإنسان . والحمد لله ربّ العالمين.