الإمام والقضية الفلسطينية
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1781
ممّا لا شكّ فيه أنّ القضية الفلسطينية لا تقتصر بتأثيراتها السلبية على الشعب المسلم الفلسطيني ، بل تتعدّاه لتشمل كلّ الأمّة العربية والإسلامية ، لأنّ فلسطين هي أرضٌ إسلامية قبل أن تكون عربية أو فلسطينية فقط ، ومن هذا المنطلق كان لا بدّ من السعي الحثيث بدون كللٍ أو ملل لإعادة المعركة مع الكيان الغاصب للقدس الشريف إلى جذورها الصحيحة التي لا يمكن تجاوزها أو التعدّي عنها ، وذلك لأنّ القدس تمثل باحتلالها من جانب العصابات الصهيونية التي اجتمعت من كلّ أقطار الأرض التحدي الأكبر الذي تواجهه الأمّة الإسلامية كلّها ، نظراً لما للقدس من مكانةٍ في نفوس المسلمين كلّهم باعتبار أنّها أحد أكثر الأماكن قدسية وشرفاً ، ولا يقلّ تأثيرها المعنوي من الكعبة المشرّفة والمسجد النبوي الشريف . ومنذ أربعين عاماً ونحن نرفع شعار قتال إسرائيل ، تلك الغدّة السرطانية التي زرعتها القوى الإستكبارية في العالم في قلب عالمنا الإسلامي لتكون القاعدة الأساس والأقوى للسيطرة الإستعمارية الكاملة للقوى الكبرى على مقدّرات شعوبنا وخيرات بلادنا ، ومع كلّ ذلك لم يبدّل
قتالنا شيئاً من واقع الإحتلال ، بل على العكس تماماً حيث أنّ المشكلة كبرت والقضية زادت تعقيداً وصعوبة من خلال تمكّن إسرائيل بواسطة عددٍ من الحروب التي جرت معها أن تحتلّ أجزاء واسعة من بلادنا الإسلامية لتضمّها اليها ، وكان آخر قسم احتلّته هو القسم الأكبر من الجنوب اللبناني أثناء الإجتياح عام 1982 ميلادية . من هنا ، يتوجّب علينا البحث عن السبب أو الأسباب التي أدّت إلى حصول ما حصل ، ممّا جعل ذلك الكيان يبدو وكأنّه راسخٌ في الأرض من دون أن يستطيع المحيط العربي والإسلامي من أن يفعل شيئاً حياله ، أو أن يكون قادراً على اقتلاعه من أهم جزءٍ من أجزاء العالم الإسلامي الكبير . ولعلّنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أنّ السبب الأهم في ذلك كلّه هو أنّ قتالنا لإسرائيل لم يكن ناشئاً من الخلفية العقائدية الإسلامية من جانب الأنظمة أو من جانب القسم الأكبر من مقاتلي فصائل الثورة الفلسطينية ، وهم الفئات التي تولّت إدارة المعركة مع الكيان الغاصب ، من دون إدخال كلّ الأمّة الإسلامية في تلك المعركة مع أنّها طريق أساسي لا يمكن تناسي أو إغفال دورها فيها ، هذا مع أنّ حركة الأنظمة العربية منها أو الإسلامية وبشكلها الحالي ليست خارجة عن إطار سياسة المحاور الدولية والتوازنات القائمة فعلاً بين المعسكرين الغربي والشرقي ، وهذا كان من أحد أهم المعوّقات الأساسية التي أدّت إلى تفاقم المشكلة وتعاظمها حتى إلى الحدّ الذي صاريسمح للكثير من الأنظمة التي كانت ترفع شعار قتال إسرائيل أن تتخلّى عنه وأن تعمل على إقناع الشعوب العربية الإسلامية المغلوبة على أمرها أيضاً ، لتصبح إسرائيل بذلك حالة شرعية مقبولة من المحيط العربي أولاً والإسلامي ثانياً ، وبذلك تنتهي القضية كلّها لتصبح مجرّد ذكرى من ذكريات التاريخ لا أكثر ولا أقل ، وأظهر مثال على ذلك هي مصر التي أقامت مع إسرائيل معاهدة ( كامب ديقيد ) وخرجت مصر بذلك من حلبة الصراع وهي التي كانت تشكل إحدى أهم الدول العربية الإسلامية في القتال مع الكيان الغاصب ، ممّا مهّد الأجواء لتمرير مقولة ( السلام لإسرائيل مقابل إعادة بعض الأرض للعرب التي شكلت مدخلاً لحلّ الصراع بهذا الأسلوب وهو ما عملت الأنظمة الحاكمة في الكثير من الدول العربية على تركيزه في أذهان شعوبها المقهورة التي لا تستطيع أن تقاوم توجّهات أنظمتها في هذا المجال . إعلان يوم القدس العالمي في ظلّ هذه الأجواء الإنهزامية السائدة جاء إعلان إمام الأمّة الإسلامية الإمام الخميني (قدس الله سره ) ومفجّر الثورة الإسلامية في هذا العصر عن تحديد يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان من كلّ عام هجري يوماً للقدس ، وذلك من أجل إعادة الإعتبار للقضية التي كانت تقترب من نهايتها المأساوية على أيدي الأنظمة التابعة التي لا حول لها ولا قوّة ، ومن أجل إعطاء القضية المركزية للأمّة حجمها الطبيعي من الإهتمام والرعاية ، لكي يتركّز هذا الأمر ويترسّخ في أذهان المسلمين ووجداناتهم بأنّ القدس لكلّ الأمة وليست قدس الشعب الفلسطيني فقط أو العرب لا غير ، وبالتالي فإنّ كلّ المسلمين مطالبون بالعمل من أجل التحرير بكلّ الوسائل والإمكانات المتاحة أمام تلك المئات من الملايين المنتشرة في كافة أرجاء العالم الإسلامي الواسع . من هنا كان تركيز الإمام الراحل العظيم على أن تستوعب الأمة القضية بهذا النحو العريض ، لأنّه كان يرى أنّ الأمة كلّها محتلة وواقعة تحت التأثير ما دامت القدس أسيرة الإحتلال الصهيوني البغيض الجاثم فوق أرضها الطاهرة المقدّسة ، لأنّ القدس بما ترمز إليه تشكّل عنوان كرامة المسلمين وعزّتهم وكرامتهم ، مُضافاً إلى أنّ قضية القدس هي الأبرز من بين كلّ قضايا الأمة التي يمكن أن تلتفّ حولها لتتخذ منها طريقاً للوحدة ، نظراً لما لها من قوّة إثارة وتحريك للمشاعر ، واستنهاض للهمم ، وتقريب لوجهات النظر ، وتجميع للقدرات والطاقات الموجودة في الأمّة من أجل تحريرها من براثن ذلك العدو لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولهذا نجد أنّ الإمام الفقيد يعبّر عن مقولته هذه بقوله في إعلان تأسيس يوم القدس : ( إنّ آخر جمعة من شهر رمضان المبارك عد يوم القدس والعشرة الأخيرة من شهر رمضان تضمّ ليلة القدر على احتمالٍ قوي ، وهي الليلة التي يكون إحياؤها سنّة إلهية ، وهي أفضل من ألف شهر من حياة المنافقين ، وفيها تقدّر مصائر الناس ، ويوم القدس مجاور لليلة القدر ، فيجب على المسلمين أن يحيوه ،ويجعلوه مثاراً لعظمتهم وانتباههم ، وبذلك يخرجون من الغفلة التي أصيبوا بها طوال التاريخ ، وخصوصاً في القرون الأخيرة ، ليكون ذلك اليوم الذي ينتبهون فيه وينهضون ، وهكذا يأخذ المسلمون في كلّ أنحاء العالم يأيديهم زمام مقدّراتهم ) . أسباب إعلان يوم القدس العالمي أ ـ خطر إسرائيل على العالم الإسلامي : إنّ الحركة الصهيونية المتمثلة بالكيان الغاصب لا تقتصر بأخطارها على الإستيلاء على أرض فلسطين الإسلامية فقط ، وإنّما هي حركة عنصرية بغيضة مرتبطة بمشاريع القوى الإستكبارية في العالم وعلى رأسها أمريكا ، لتكون إسرائيل الدولة الأقوى في المحيط الذي زرعت فيه ، ولتكون الغدّة السرطانية تلك التي تبثّ سمومها وتنفث مؤامراتها في ذلك المحيط الواسع الذي يشمل كلّ الدول العربية والإسلامية معاً ، وذلك لإفساده ومنعه من أن يمتلك إرادته من خلال مراقبتها لمجمل حركات الأنظمة والشعوب للتأكّد من عدم وجود ما يمكن أن يؤدي إلى الثورة والتحرّك ضدّ كلّ أشكال الفساد المستشري على مستوى الأنظمة وارتباطاتها المشبوهة بالقوى الإستكبارية في العالم ، ومن أجل منع قيام أي حركة معاكسة لمصالح تلك القوى التي ما أوجدت إسرائيل إلاّ من أجل حماية تلك المصالح والإمتيازات الإستعمارية ، ولم يكن حباً بالشعب اليهودي بحجة إرجاعه إلى أرضه التي طرد منها بادّعاء تاريخي مزيّف ، بل من باب توافق المصالح الإستعمارية مع مصلحة الصهيونية العالمية بالإستيلاء على أرض فلسطين التي تعتبر بحسب موقعها الجغرافي همزة الوصل بين شرق العالم الإسلامي وغربه ، على أساس أن يقوم ذلك الكيان بمهمة الشرطي الأمين الحارس لمصالح القوي الكبرى التي ما أوجدته إلاّ لهذا السبب ، وبهذا يمكننا أن نفسّر الدعم المطلق الذي يلقاه ذلك الكيان من تلك القوى حتى استطاع أن يصنع السلاح النووي والطائرات والدبابات والصواريخ المتطوّرة لكي يستعملها في حال تعرّض وجوده للخطر الفعلي من المحيط المعادي له ولأصل وجوده في هذه المنطقة من العالم الإسلامي . ولهذا نرى أنّ الإمام الخميني (قده) كان يحذر الدول الإسلامية كلّها من خطر وجود ذلك الكيان بينها نظراً للأخطار الكبيرة التي حلّت بالأمة الإسلامية ، ولا يمكن التعايش مع طروحات وطموحات المشروع الصهيوني القائم على الحلم التاريخي بإنشاء دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ، ومن كلماته المعبّرة عن نظرته إلى ذلك الكيان هو ما يلي : من خطاب إمام الأمّة إلى العلماء في (يزد) إحدى مدن إيران سنة 1963 م : ( ينبغي على السادة العلماء الأفاضل الإنتباه إلى أنّ المناصب الحساسة في الحكومة تدار من قبل عملاء إسرائيل ، إنّ خطر إسرائيل على الإسلام وإيران كبير جداً ، حيث إنّ التحالف مع إسرائيل ضدّ الدول الإسلامية ، إمّا أن يكون قد أبرم أو سيبرم قريباً ، ويلزم على العلماء الأعلام والخطباء المحترمين توعية مختلف فئات الشعب وتعريفهم بهذه الأمور لكي نستطيع أن نحول دون ذلك في الوقت المناسب ) . من خطاب إمام الأمّة إلى جمعيات المدن والأقاليم عام 1962 م : (سوف لن يمر وقت طويل لهذا السكوت القاتل الذي يلفّ المسلمين إلاّ ويكون الصهاينة قد سيطروا على كامل اقتصاد البلد هذا ، بعد أن يضمنوا دعم عملائهم لهم ، وبالتالي جرّ الشعب المسلم بكلّ شؤونه نحو السقوط ) . من هذين النصين نرى كيف أنّ الإمام كان ينظر إلى ذلك الكيان نظرة الشكّ والريب إلى وجوده في قلب المنطقة الإسلامية ، وأنّ وجوده ليس من أجل حقٍّ تاريخي يريد الحصول عليه في أرض فلسطين ، بل هو وجود تبعي للحفاظ على مصالح أسياده الذين أسّسوه ودعموا كيانه . فإدراك الإمام لخطر ذلك الكيان ليس وليد الصدفة أو المناسبة الخاصة ، بل هو إدراكٌ ناتج عن فهم حقيقة الصراع الذي كانت تعيشه الأمّة وما تزال في كلّ مناطق تواجدها في مواجهة القوى الإستكبارية وعلى رأسها الدول الداعمة لوجود إسرائيل ، وأنّ وظيفة ذلك الكيان هي التغلغل الخبيث في مناطقنا وبلادنا من خلال الأنظمة الرجعية والعميلة المرتبطة بعجلة الإستعمار ، لمراقبة حركة الشعوب وسيرها ، حتى لا تقوم بالإنتفاضات والثورات لامتلاك زمام أمورها ، ولتبقى مقدّرات الأمّة كلّها بيد تلك الأنظمة التي تمثل مصالح القوى الكبرى خير تمثيل ، لأنّها تحمي عمليات النهب الإستعماري من خلال الإرهاب الذي تمارسه ضدّ شعوبها وبلدانها خدمة للمستكبرين في الأرض . ولهذا نرى في النصين اللذين سبق ذكرهما كيف أنّ الإمام يحذر من ذلك التغلغل الذي تقوم به إسرائيل في الدول الإسلامية وخاصة على مستوى قوة إسلامية كبيرة كإيران وتركيا حيث أقامت إسرائيل مع كلّ منهما علاقاتٍ ديبلوماسية وسياسية ، بل تمادت أكثر على مستوى إيران وأقامت علاقات على كلّ المستويات الإقتصادية والتجارية والثقافية ، وعلى مستوى أجهزة المخابرات كالتعاون بين الموساد الإسرائيلي والسافاك الإيراني ، كلّ ذلك للتخطيط والتنفيذ ضدّ كلّ حركة أو انتفاضة تريد أن تعيد الأمور إلى التوجّه الصحيح والسليم ، ولإثارة الخلافات والنعرات بين الدول والشعوب الإسلامية تمريراً للمخطّط الجهنّمي الذي يريد أن يجعل من إسرائيل كياناً مقبولاً من المحيط ، وتقيم معه العلاقات على حساب مأساة الشعب الفلسطيني المسلم الذي طُرد من أرضه وشُرّد في كلّ أقطار الأرض ، وفي كلّ الإتّجاهات . وهذا التغلغل الخبيث هو الذي حذّر الإمام (قده) منه مراراً وتكراراً وأنّه لا يمكن أن يكون لصالح الشعوب والدول الإسلامية بل هو لتحطيمها ومنعها من التقدّم وامتلاك حريتها وإرادتها ، وأنّ ذلك التغلغل يهدف إلى أن تكون إسرائيل العين الساهرة على تنفيذ تلك الأنظمة للخطط الإستعمارية على مستوى خيرات وثروات المسلمين ومن بيانات الإمام (قده) في هذا المجال هو ما يلي : من نداء الإمام إلى الوعاظ والخطباء الدينيين عام 1963 م . ( إنّ النظام الحاكم المتجبّر ( النظام الشاهنشاهي ) يتعاضد بكلّ قواه مع إسرائيل وعملائها ، حيث سلّمها الوسائل الإعلامية والدعائية في القطر ، وترك لها مطلق الحرية بالتصرّف بها ، وقد فسح المجال التام لها ، في النفوذ إلى الجيش والمؤسسات الثقافية وسائر الوزارات الأخرى ، وأعطيت لها المناصب الحسّاسة في الدولة . عليكم أن تذكّروا الشعب دوماً ، بأخطار إسرائيل وعملائها في إيران ، أنّ الركون إلى الصمت في هذه الأيام يعتبر تأييداً للنظام المتجبّر ودعماً لأعداء الإسلام ، واحذروا عواقب هذه الأمور ) . من بيان الإمام بمناسبة ذكرى أربعين مذبحة المدرسة الفيضية عام 1963 م . ( إنّني أعلن لقادة الأقطار الإسلامية ، والدول العربية وغير العربية ، بأنّ علماء الإسلام الزعماء الدينيين ، وشعبنا المتديّن ، وجيشنا الغيور ، هم جميعاً إخوة لأبناء الأقطار الإسلامية ، ويصيبنا ما يلحق بهم من المنافع والأضرار ، وإنّهم يعلنون عن غضبهم ونفورهم من إبرام التحالف مع إسرائيل عدوّة الإسلام وإيران . إنّني اعلنت عن هذا الأمر بصراحةٍ تامّة ، وأدع الآن عملاء إسرائيل أن يُنهوا حياتي ) .إلا أنّ ذلك الموقف المبدئي النابع من الفهم الصحيح المستوحى من القرآن الكريم والسنة الشريفة عن بني إسرائيل وتاريخهم وعلاقتهم بالشعوب ، مُضافاً إلى الوعي الكامل لحركة الصراع في عصرنا الحاضر بين القوى الإستكبارية من جهة ، والشعوب المستضعفة من جهةٍ أخرى ، لم يلق الآذان الصاغية من جانب الأنظمة الحاكمة ، وليس هذا فقط ، بل كان ذلك الموقف المبدئي من الإمام (قده) محجوراً عليه أن يصل إلى مسامع الشعوب الإسلامية ، لأنّه يشكّل خطراً على تلك الأنظمة ويجعلها في موقفٍ محرجٍ جداً أمام شعوبها التي كانت تتلهّف لقتال إسرائيل . ب ـ المخطّط الإستعماري لترسيخ الكيان الغاصب : ليس صدفةً أن يوجد الكيان الغاصب ويقام على أرض فلسطين ، تلك الأرض التي تضم ( القدس الشريف ) أحد أعظم مقدّسات المسلمين وهو ( المسجد الأقصى ) قبلة المسلمين الأولى التي صلوا اليها لإثبات وحدة الرسالات الإلهية ، وهي أيضاً أرض المعراج إلى السماوات العلى لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولهذا فإنّ احتلال فلسطين من جانب الصهيونية اليهودية يجعل القضية ذات أبعاد عقائدية ودينية ، يضاف إليها التوافق في المصالح الإستكبارية مع الحقد التاريخي المشترك بين الفريقين ضدّ الأمّة الإسلامية . من هنا نشأ التعاون بين الحركة الصهيونية العالمية والقوى الكبرى على تمرير تلك المؤامرة الخبيثة ، لأنّ احتلال القدس بالذات يعني دينياً وعقائدياً ، أنّ الأمة كلّها محتلة ، وأنّ كرامتها مسلوبة ومهانة ، ولهذا عندما نرجع قليلاً إلى التاريخ القريب يمكننا أن نرى ما يلي : أولاً : إنّ هذه المنطقة من العالم تنعم بخيراتٍ وثروات كبيرة جداً ، تحتاجها الدول الإستكبارية في العالم لزيادة سيطرتها وتسلّطها على العالم كلّه ، وهي من هذه الجهة فإنّها لن تترك تلك الأرض لأصحابها ليتنعّموا بها ويستفيدوا من خيراتها لصالح شعوب المنطقة ، بل سوف يتبعون كلّ الوسائل لجعلها تحت سيطرتهم بأيّ وسيلةٍ كانت . ثانياً : أطماع الحركة الصهيونية العالمية في أرض فلسطين بادّعاء الحق التاريخي المزيّف ، وأنّهم الشعب المختار الذين اختار الله ربهم تلك الأرض لهم دون غيرهم من سائر البشر ، ولأنهم كانوا قد استوطنوها سابقاً ، فلهم إذن كامل الحق بالرجوع اليها والسكن فيها على حساب شعبها وأهلها . ثالثاً : الأنظمة التي ساندها الإستعمار في المنطقة ، من خلال تشجيعه للصراعات والنزاعات بين شعوبها وسكانها ، وتحريك العصبيات والنعرات ، ومساعدة البعض ضدّ الآخر ، حتى ضعف الجميع ، وصار كلّ واحدٍ منهم بحاجةٍ إلى الدعم من تلك القوى ليحفظ نظام امتيازاته في وجه الأخرين ، ممّا أدى في نهاية الأمر إلى جعل المنطقة موزّعة بين القوى الكبرى في العالم. الذي نريد أن نقوله أنّ تلك الأسباب التي ذكرناها هي التي شكلت الأسس والمنطلقات التي بدأ منها الإستعمار العالمي لإيجاد إسرائيل وترسيخها كحقيقة واقعة وثابتة في هذه المنطقة بالتقريب التالي : إنّ الغرب يريد السيطرة على المنطقة طمعاً بخيراتها ، وهو لهذا يحتاج إلى إيجاد أنظمة ضعيفة مرتبطة به مباشرة ، بحيث يستطيع من خلالها إحكام سيطرته ، لاستغلال ما يحتاج من مواد أولية تنعم بها هذه المنطقة المعطاء ، ولهذا عملت الدول الإستكبارية على تحقيق تلك الأنظمة حسب المقاسات والأحجام التي تريد ، وقسّمت المنطقة بالطريقة التي تضمن لها ذلك ، وهذا هو المعروف باسم ( معاهدة سايكس بيكو ) الموقّعة بين بريطانيا وفرنسا ، اللتين تقاسمتا النفوذ على المنطقة بشكلٍ شبه كامل ، لكن تلك الدول لمّا كانت في الوقت ذاته ، لا تأمن ولا تضمن الولاء المطلق من تلك الأنظمة ، وخوفاً من الإنقلاب أو الإنفلات من السيطرة ، كان لا بدّ من إيجاد نظام أو أكثر إن كان ذلك ممكنا ً ، ترتبط مباشرةً بالدول الكبرى لتكون الأداة الغليظة ، والعين الساهرة على مصالح الإستكبار العالمي . وبما أنّ الحركة الصهيونية العالمية التي أقرّت في مؤتمرها المنعقد في سويسرا عام 1897 م بقيادة زعيم الحركة الصهيونية آنذاك ( تيودور هرتزل ) فلسطين كوطنٍ قومي لليهود ، فقد سعت لتحقيق ذلك سريعاً من خلال الإتصال بالسلطان العثماني ( عبد الحميد ) لمنحهم فلسطين مقابل مبالغ ذهبية كبيرة أغروه بها ، إلا أنّه رفض العرض المقدّم اليه رفضاً باتاً ، إلا أنّ الظروف التي رافقت أحداث الحرب العالمية الأولى ، والتي أحسنت الحركة الصهيونية استغلالها ، جعلت المصلحة المشتركة بين الدول الكبرى وبين الصهيونية العالمية أمراً لا مفرّ منه ، وهكذا اتفق الطرفان على إنشاء دولة إسرائيل وجعلها وطناً قومياً لليهود المتوافدين من كلّ أقطار العالم ، على حساب الشعب المسلم الفلسطيني ، وعلى هذا الأساس بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بالإزدياد عاماً بعد عام ، وشرعوا بإقامة المستوطنات والتجمّعات السكنية ، تحت بصر وسمع الأنظمة التي كانت تحت الإحتلال المباشر في قسمٍ منها ، والإحتلال غير المباشر في القسم الآخر الذي لم يكن خارجاً عن السيطرة أيضاً . ومع تلك الهجرة المتزايدة ، لم تتحرّك الأنظمة العربية ضدّ ذلك ، سوى ببعض البيانات التي كانت تصدر بين الحين والآخر ، والتي لا يمكن أن تؤثر على مجريات الأمور الواقعة شيئاً ، وهذا ما دفع الشعب المسلم في فلسطين لأن ينتفض ضدّ ما يحصل بإمكانات ضعيفة دفاعاً عن حقّه في أرضه وبلاده ، وهكذا كانت ثورة الشيخ عز الدين القسام الشهيد سنة 1936 م ، دفاعاً عن أرض الأنبياء والمقدّسات ، وحصلت كذلك الإضرابات العامّة التي شلّت كامل الحركة على التراب الفلسطيني لأشهر ، وكادت أن تطيح بكلّ المشاريع الإستكبارية لولا التدخّل المباشر من حكام آل سعود ، بطلبٍ من أسيادهم وأولياء نعمتهم البريطانيين ، لإيقاف الإضراب العام بناءً على وعدٍ من حكام آل سعود بالحصول على حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ، إلا أنّ شيئاً من ذلك لم يحصل، ممّا مهّد الأجواء للقضاء على أيّ حركة انتفاضية يمكن أن يقوم بها الشعب الفلسطيني بعد ذلك ، وهذا الموقف طبيعي جداً من نظام يخاف أن يتحرّك بغير ما يأمره به أسياده خوفاً على نفسه من الإقتلاع والإتيان بالبديل الحاضر أبداً من بين المتكالبين على السلطة من عملاء الإستعمار ولو كان ذلك على حساب شعوبهم ومواطنيهم . بعد هذا كلّه ، صارت الأجواء مهيّأة لإعلان الأمم المتّحدة لقرارها بإنشاء دولة إسرائيل ، وصدر قرار التقسيم عنها ، معلناً بداية ما يسمّى بالكيان القومي لليهود في العالم ، وذلك بدعمٍ مباشر من القوى الإستكبارية العالمية وبطلبٍ منها ، وشكّل ذلك بداية إضفاء الشرعية الدولية لتلك الدولة المتشكّلة من العصابات التي جاءت من كلّ دول العالم تقريباً ، واستطاعت أن تسيطر على معظم أرض فلسطين ، بالتواطوء مع الأنظمة العميلة الحاكمة في المنطقة آنذاك ، والتي أوجدتها نفس القوى الكبرى التي أوجدت إسرائيل وزرعتها في هذه المنطقة من العالم . وهكذا خرج الشعب المسلم الفلسطيني من أرضه ، ليقيم في مخيمات اللاجئين ، التي أقيمت خصيصاً لهم في الدول المجاورة في لبنان وسوريا والأردن ومصر ، على أمل أن تسعى الدول العربية على إرجاعهم إلى أرضهم في أقرب وقتٍ ممكن ، وما زال ذلك الشعب ينتظر عودته إليها تطبيقاً للوعود التي حصل عليها من إخوانه الذين وعدوه بذلك ، وذهبت تلك الوعود أدراج الرياح ، وهو ما زال يعاني من القهر والإستغلال والتسلّط الذي يمارَس عليه في أغلب الدول التي لجأ إليها ، وكأنّه شعبٌ لا يحقّ له أن يعيش كما يعيش إخوانه من أبناء الشعوب المجاورة وغيرها . ولعلّ الكثيرين يعرفون أنّ جماهير غفيرة من أبناء الشعوب العربية والإسلامية ، قد أبدت رغبتها ، وجنّدت نفسها لقتال اليهود ، واسترجاع فلسطين ، إلا أنّ خيانة الأنظمة العميلة وقفت في وجه ذلك بطريقةٍ غير مباشرة ، من خلال ادّعائها بأنّها قاتلت لاسترجاع فلسطين ، لكنها لم تقدر على ذلك وأنّ إنشاء ذلك الكيان أمر ليس بمقدورنا منع إيجاده الآن ، لكن تلك الأنظمة وعدت بأنّها لن تتخلى عن فلسطين ، وستعمل بكلّ الوسائل على استردادها وإرجاعها لأهلها . تلك الأساليب الخبيثة هي التي استوعبت من خلالها تلك الأنظمة انفعالات الشعوب العربية والإسلامية وهيجانها وثورتها ، نتيجة الإحتلال البغيض ، ولهذا فقد رفعت أكثر الأنظمة آنذاك شعار ( تحرير فلسطين ) نفاقاً وكذباً ، وأنّهم سوف يجنّدون كلّ طاقاتهم وإمكاناتهم لتحقيق ذلك الشعار الكبير والعريض جداً ، ثمّ عملوا على ترسيخ هذا الأمر في نفوس شعوبهم لتحذيرهم وتسكينهم ، وذلك بالإتفاق مع الدول الإستكبارية التي خطّطت لذلك لكي لا تفلت الشعوب من أيدي الأنظمة الكارتونية المصنوعة على المقاسات المطلوبة بدقة ، كما صنعت إسرائيل على المقاس ذاته لتكون الحلقة المكمّلة للسيطرة الكاملة على المنطقة بأسرها ، وبذلك هدأت حركة الشعوب واستكانت واطمأنّت إلى أنّ جيوشها سوف تستعيد الأرض وتحرّر المقدّسات من دنس ورجس الصهاينة الكفرة الفجرة المغضوب عليهم من ربّ السماء بنص القرآن الكريم .(1) . ج ـ مرحلة الدخول في العصر الإسرائيلي : وهكذا وجدت إسرائيل في قلب المناطق الإسلامية لتكون أداة للفساد والإفساد على مستوى كلّ دول المنطقة وشعوبها ، وبما أنّ لذلك الكيان الجهنمي وظيفة محدّدة ، فقد تزوّد من أسياده بكلّ المقوّمات التي تمكّنه من القيام بوظيفته على الوجه الأكمل ، وبدأت الأسلحة تنهال عليه من كلّ الأنواع الهجوميّة والدفاعية لكي يكون قادراً على الوقوف بوجه أيّ محاولة تستهدف وجوده ، ولكي يكون قادراً في الوقت نفسه على الدفاع عن الأنظمة الموالية للدول الكبرى من أيّ محاولة تستهدفها أيضاً ، ليتشكل بذلك من إسرائيل والأنظمة الموالية المصنوعة على نفس المقاس حلف غير مقدّس ، تديره القوى الكبرى لحماية مصالحها في هذه المنطقة من العالم ، ولكبح الحركات التحررية التي تهدف إلى الخلاص من السيطرة الإستعمارية المباشرة وغير المباشرة ، ولهذا كان تدخل النظام الإيراني أيام الشاه لضرب الحالة الثورية في عمان ومسقط ، ولهذا أيضاً حصل العدوان الثلاثي على مصر قبلها بعد تأميم قناة السويس مباشرة لإرجاع ذلك النظام إلى بيت الطاعة ، وهذا المعنى الذي نقوله ، ليس كلاماً في المطلق ، أو مبنياً على تحليلات بعيدة عن الواقع والحقيقة ، وانتصار الثورة الإسلامية ، وما حصل من حينه إلى الآن من مجريات يثبت هذا الذي نقول . ونتيجة للحروب المتعدّدة التي حصلت بين الأنظمة العربية وإسرائيل ، والتي كانت حصيلتها توسعاً كبيراً أخذ من الدول المحيطة بإسرائيل مساحات ضخمة منها ، وهي سيناء ، وقطاع غزة ، والضفة الغربية ، وهضبة الجولان ، في الحرب التي سمّيت بـ ( نكسة حزيران ) عام 1967 م ، والتي كانت أقسى خسارة تعرّضت لها الدول التي تتبنّى شعار قتال إسرائيل . والذي نريد أن نقوله في هذا المجال هو أنه: ( كان المطلوب من تلك الأنظمة أن تنهزم أمام ذلك الكيان ، وأن تقنع شعوبها بعد ذلك بعدم جدوى القتال معه ، لكي تصبح مقولة شرعنته مقبولة من الشعوب ، لكي تبدأ عملية الإعتراف به ، وجعله كياناً يستحقّ البقاء والحياة كما هو حقّ الشعوب الأخرى الموجودة في المنطقة ، وهذا ما حدث فعلاً ، فبعد هزيمة الأنظمة كما هو مقرّر ، بدأت عملية التحوّل الكبير ، وأخذت مقولة ( الإعتراف الصهيوني الغاصب في مقابل استرجاع الأراضي المحتلة عام 1967 م ) ولتنتهي بذلك حالة الصراع مع ذلك الكيان إلى الأبد ) . وهكذا كانت الخطوة الصاعقة والمفاجئة التي قام بها الرئيس المصري عام 1977 م ، لتكون بداية التنفيذ العملي لمشروع إضفاء الشرعية العربية على إسرائيل ، بعد أن عملت الأنظمة طويلاً ، من خلال الصخب والضجيج الإعلامي بأنّ إسرائيل دولة لا تقهر ، ولا تمتلك الدول التي تقاتلها الأسلحة التي تستطيع أن تواجه بها ذلك الكيان ، وقد اقتنعت الشعوب فعلاً بذلك ما عدا الفئة القليلة التي لا تستطيع أن تغيّر الموازين القائمة لصالح المقولة التي تتبنّى قتال إسرائيل . والذي نود قوله بصراحة مطلقة هو: ( أنّ قتال إسرائيل عندما لم يكن منطلقاً من الخلفية العقائدية الإسلامية ، ولمّا كانت الأنظمة الخائفة من ثورات شعوبها نتيجة ديكتاتوريتها وظلمها واضطهادها لشعوبها ، وعدم إعطاء المعركة بعدها الإسلامي الكبير ، كانت الهزيمة المخطّط لها أمراً لا مفرّ منه ولا مهرب ، ليعقبها استكمال المخطط الذي ينهي حالة الصراع كلياً على حساب الشعب الفلسطيني المسلم المشرّد في كلّ دول العالم اليوم تقريباً ) . وهكذا كانت معاهدة ( كامب ديفيد ) أول معاهدة صلح تعقد بين العرب وإسرائيل ، لتكون بداية النهاية لصراعٍ استمر إلى يوم توقيع المعاهدة ثلاثين عاماً ، لم نجن من خلالها إلا الخسارة ، وتقوية إسرائيل أكثر من السابق ، ليتحقق بذلك ما يريده الإستعمار ، وهو أن يكون ذلك الكيان هو الذراع الطويلة التي تخدم مصالح الإستكبار العالمي في المنطقة . كلّ ذلك حصل ، والشعوب تبتلع الهزيمة على مضض ، وهي مكبّلة بالقيود التي تفرضها الأنظمة على حركات الشعوب غير القادرة عن التعبير عن الألم الذي يعتصرها من جرّاء الهزائم النكراء التي حلّت بالأمّة العربية ، ومن ورائها كلّ الأمّة الإسلامية ، من وجهة نظر إسرائيل ، خاصة بعد احتلال القدس في مأساة عام 1967 م . د ـ يأس الإمام من خطاب الأنظمة : لقد كان للإمام (قده) صبر طويل على الأنظمة الإسلامية بشكلٍ عام ، والعربية منها بشكلٍ خاص ، وقد خاطبها جميعاً لا استثناء من أجل النهوض وأخذ زمام أمورها بيدها من أجل إنقاذ فلسطين ، وهذا الخطاب لم يقتصر على مرحلة ما بعد انتصار الثورة بل هو خطاب يعود إلى أوائل الستينات مع أنّ الفكرة مختمرة في عقله وقلبه قبل ذلك بكثير . لقد سعى الإمام (قده ) كثيراً من خلال خطابه للأنظمة العربية والإسلامية أن يدبّ في أجسادها القوة المعنوية لفكّ ارتباطها وتبعيتها للغرب الكافر والشرق الملحد ، حتى تستطيع أن تبني عزّتها بالإستناد إلى مبادئها الإسلامية الأصيلة ، ولم يترك مناسبة أو صرخة إلا وكرّر ذلك الخطاب على مسامعهم ، لكنهم وللأسف كانوا يصمّون آذانهم نتيجة عمالتهم وخيانتهم ، وعجزهم عن مواجهة أسيادهم المستكبرين الذين نصبوا ودعموا الأنظمة التي تحكم الأمة الإسلامية بالحديد والنار خدمةً للمستعمرين والمستكربين ولهذا نجد أنّ الإمام (قده) بدأ بتعرية تلك الأنظمة وذمّها وقدحها ، لعلّ ذلك يؤثر فيها ويجعلها ترعوي وتعود عن غيّها وضلالها ، إلا أنّ كلّ ذلك لم يلق الآذان الواعية ، وكأنّ الحكّام قد صاروا خشباً مسنّدة لا حياة فيها لحماية حريتها وكرامتها حتى أمام شعوبها ، بل ازدادوا بعداً عن مصالح شعوبهم وإمعاناً في تجاهل خطابات الإمام وتوجيهاته وتحذيراته لهم ، وسارعوا إلى الإحتماء منه نتيجة خوفهم على عروشهم وكراسيهم ، خاصة بعد انتصار الثورة بأسيادهم الذين هم أولياء نعمتهم وتسلّطهم على مقدّرات الأمة الإسلامية كلّها ومن كلمات الإمام التي تعبّر عن اليأس من تلك الأنظمة هي : ( أنّ مشكلة المسلمين الأساسية في الحكومات المسيطرة على مقدراتهم ، أنّها الحكومات التي أدّت بالمسلمين إلى هذا الوضع الذي هم عليه الآن ، إنّ مشكلة المسلمين لا تكمن في الشعوب ، اذ إنّها قادرة على حلّ مشاكلها بفطرتها الذاتية ، وإنّما تكمن في الحكومات المتسلّطة على رقابهم لو تمعنتم النظر في أنحاء الأقطار الإسلامية ، قلّما تجدون بقعة لم تكن مشاكلهم بسبب حكوماتهم ، إنّها الحكومات التي أوجدت المشاكل لنا ولجميع المسلمين ، ذلك بخضوعها وعمالتها لقوى الشرق والغرب وليس بمقدور المسلمين أن يتخلّصوا من مشاكلهم دون أن يزيلوا من أمامهم هذه العقبة الكؤود ) ( فالحكومات هي التي تضع العراقيل في هذا الطريق (طريق الخلاص من سيطرة القوى الكبرى وإسرائيل ) وهي التي وقفت بوجه نمو شبابنا الفكري ، وبوجه تقدّم المسلمين بشكلٍ عام ) . من خطاب الإمام (قده) إلى المشاركين في مؤتمر القدس العالمي بتاريخ (9/ 8 /1980 / م ). وكذلك قوله (قده): ( إنّ ما تقوم به حكومات المنطقة في هذه الظروف العصيبة التي تمرّ بها الأمة الإسلامية ، حيث شنّت إسرائيل عدوانها الواسع ضدّ بلاد المسلمين ، وأراقت دماء المسلمين الأبرياء والمحرومين ، لا يمكن النظر إليه إلا أنّه كلامٌ فارغ ، ويفوح منه رائحة المهادنة والمساومة مع الأعداء والمصيبة الكبرى تكمن في أنّهم يستغيثون بالمجرم الأصلي ( أمريكا ) خشية من إسرائيل ، وهم بذلك في الحقيقة يستغيثون بالثعابين الكبيرة خوفاً من الأفاعي ) . من نداء الإمام بمناسبة يوم القدس العالمي بتاريخ 16 / 7 / 1982 م . ومن أبرز مواقف الإمام (قده) ضدّ الأنظمة العميلة هو بيانه الشهير حول عدم شرعية نتائج مؤتمر القمة العربية في فاس الذي كان يهدف إلى المصادقة على مشروع الملك فهد المتضمّن الإعتراف الصريح بإسرائيل ، حيث كان ذلك البيان قمة البراءة واليأس من تلك الأنظمة التي كانت تريد بيع القضية الفلسطينية والتخلّص منها إلى الأبد حيث قال (قده) : ( إنّني أعتبر مساندة المشروع الذي يمنح الإستقلال والإعتراف الرسمي بإسرائيل ( فاجعة كبرى للمسلمين وانتحار للحكومات الإسلامية ، وأعتبر معارضة ذلك فريضة إسلامية كبرى ) . بتاريخ 5 /6 / 1982 م من بيانه بذكرى انتفاضة 15 خرداد . الإمام والثورة الفلسطينية : بنتيجة الهزيمة المُرّة عام 1967 م ، لم يعد أمام الشعب الفلسطيني سوى أن يحمل راية تحرير أرضه وحده بعد أن عجزت الدول العربية ، أو أعجزت نفسها ، كما هو المخطط لها ، وانطلقت المقاومة الفلسطينية المسلّحة ، لتكون الرد العملي والصارخ والمباشر ، على أجواء الهزيمة التي لفّت المنطقة العربية والإسلامية بشكلٍ عام . هنا نجد أنّ الإمام الخميني (قده) ، اندفع بشكلٍ كبيرٍ جداً لتأييد تلك المقاومة التي تريد أن تقاتل إسرائيل ، وقد عبّر عن ذلك في مناسبات كثيرة ، وحثّ أبناء الشعوب العربية والإسلامية على تزويد أولئك الفدائيين بكلّ أنواع الدعم المادي والمعنوي ، ليتمكنوا من القيام بالواجب العظيم الملقى عليهم بل وصل الأمر بالإمام من حماسه للمقاتلين الفلسطينيين ، أن أصدر فتاواه الشهيرة بجواز صرف قسمٍ من الحقوق الشرعية ، إلى أبناء فلسطين الذين يقاتلون الكيان الغاصب . ومن بيانات الإمام (قده) في هذا المجال هو ردّه في جواب على مجموعة من مسلمي فلسطين ، حول وجوب تقديم الدعم والإسناد إلى مسلمي فلسطين : ( لقد قلت سابقاً وأقوله الآن ، بأنّ الكيان الإسرائيلي الغاصب ، يشكّل خطراً عظيماً على الإسلام والبلدان الإسلامية ، وذلك بسبب الأهداف والنوايا التوسّعية التي لديه ، وإنّي أخشى أن تفوت الفرصة علينا ، فيما لو سمح له المسلمون في التوسّع ، وعندها لا يمكننا الوقوف أمام توسّعه . وبما أنّ احتمال الخطر يهدّد أساس الإسلام ، فلا بدّ لجميع المسلمين بشكلٍ عام ، والدول الإسلامية بشكلٍ خاص ، أن يبذلوا كلّ جهدهم من أجل استئصال غدّة الفساد هذه من المنطقة ، وأن لا يتوانوا في تقديم المعونات إلى المدافعين عن فلسطين ، وليبذلوا ما في وسعهم لدعم هذا الأمر الحيوي ، فضلاً عن صرف حقوق الزكاة ، وباقي الصدقات في هذا المجال . إدعوا الله سبحانه وتعالى أن يعين المسلمين ، ويمنّ عليهم بدوام اليقظة والحذر ، وأن ينقذ بلاد المسلمين من شر أعداء الإسلام ) . تاريخ 3 / ربيع الثاني / 1388/ هجري / . ومن كلمات الإمام (قده) في حثّ الفدائيين الفلسطينيين في الإستمرار في طريق الجهاد وعدم التقاعس نقتطف الفقرة التالية وهي : ( ويتوجب أيضاً على الفدائيين المجاهدين ، الإستمرار في السير على طريق تحقيق هدفهم المقدّس ، وذلك بالتوكل على الله القدير ، والتمسّك بتعاليم القرآن المجيد ، والصمود والجدية التامّة في العمل ، وأن لا يصيبهم الكسل والخمول ، نتيجةً لتقاعس ولين بعض الأفراد ، الذي يؤدي إلى توجيه لطمة مميتة إلى ثورتهم التحرّرية ، ونؤكد بضرورة أن يكون التعامل والتبادل بين المجاهدين ، وسكان المناطق التي يتّخذها المجاهدون ميادين لنشاطاتهم الثورية ، مستنداً على أسس السلوك الحسن والأخلاق الإسلامية ) . من بيان الإمام حول مساندة الشعب الفلسطيني بتاريخ 3 / شهر رمضان / 1392/ هجري / .لا يقتصر تأييد الإمام وتشجيعه عند هذا الحد ، بل طلب من الأنظمة والدول الإسلامية تزويد المجاهدين الفلسطينيين بكلّ ما يحتاجون إليه ، لأنّه كان يرى فيهم الجذوة التي يمكن أن تؤجّج نار الثورة العارمة في الشعوب ضدّ إسرائيل ومن كلماته في هذا المجال: ( يجب على كافة المسلمين بشكلٍ عام ، وعلى الحكومات العربية بشكلٍ خاص ، وبهدف المحافظة على استقلالها ، تقديم جميع متطلبات الدعم والحماية لهذه الفصائل المجاهدة والملتزمة ، وأن لا يتوانوا عن أيّ جهد ، على طريق إيصال الأسلحة والمواد الغذائية والمؤونات اللازمة إلى هؤلاء المجاهدين الأفذاذ ) 3/ رمضان / 1392/هـ. وكذلك قوله (قده) : ( الآن وقد ضاعفت الدويلة الإسرائيلية الغاصبة مساعيها ، من أجل إثارة الفتن والإعتداءات الواسعة على الأراضي العربية ، ونهضت لتواصل أعمالها العدوانية ضدّ أصحاب الحق الأصليين ، فضلاً عن زيادة تسخينها لأجواء الحرب ، ففي مثل هذه الأحوال ، يتوجّب على كافة حكومات الأقطار الإسلامية ، وبالأخص العربية منها ، وبعد التوكل على الله سبحانه وتعالى والإعتماد على قدرته الأزلية ، تعبئة جميع قواها وطاقاتها وصبّها في طريق نصرة الرجال المضحين ، الذين يحاربون في الخطوط المتقدّمة من جبهات الحرب ، وعيونهم تنتظر العون والسند من الشعوب المسلّحة ، ويتوجب عليهم أيضاً ، الإشتراك في هذا الجهاد المقدّس الهادف إلى تحرير فلسطين ، وإحياء مجد وشرف وعظمة الإسلام . ومن مظاهر التأييد الكبيرة والجليلة المعنى للثورة الفلسطينية وشعبها المسلم الغيور هو ما حصل بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة ، حيث تحوّلت سفارة الكيان الإسرائيلي في طهران إلى أول سفارة في العالم لفلسطين وذلك شكّل اعترافاً صريحاً وجريئاً وخارجاً عمّا ألفته الثورة الفلسطينية في طريقة التعامل معها حتى من الذين كانوا يحملون رايتها باسم الدفاع عنها ، وقد عبّر الإمام (قده) بعد انتصار الثورة بأنّ القضية الفلسطينية سوف تأخذ حيّزاً مهما من تفكير وجهود الثورة الإسلامية أملا في تحريرها من براثن الصهيونية والإستعمار وممّا قاله في هذا المجال هو: ( إنّنا ومنذ خمسة عشر عاماً ، كنّا قد قلنا كلمتنا حول فلسطين ، وحذّرنا بهذا الشأن ، أنّ وجهة نظرنا تلك ، بصدد قضية فلسطين ، لا زالت على قوّتها السابقة ، وسوف نولي هذه المسألة ( وجود إسرائيل ) أهمية أكثر في المستقبل ، وبعد أن نرمّم الخرائب التي ورثناها في بلدنا من عهد الشاه ) . من خطاب الإمام لياسر عرفات بعد ثمانية أيام من انتصار الثورة الإسلامية في إيران بتاريخ 19/ 2/ 1979/ م . تثوير الإمام للأمة الإسلامية وثقته بقدراتها : بعد أن يئس الإمام (قده) من خطابه للأنظمة التي كان يحاول أن يحرّكها لتتخلص من التبعية والعمالة للقوى الإستكبارية في العالم ، ولتأخذ بأيديها مقدّراتها ، لتستغلّها لصالحها وصالح شعوبها ، تجاوز الامام (قده) تلك الأنظمة ، وبدأ بتوجيه خطابه للشعوب مباشرة ، وهذا لا يعني بالضرورة أنّ الإمام عندما كان يخاظب الأنظمة ، كان غافلاً عن أهمية خطاب الشعوب ، لكن توجيه الخطاب للأنظمة أولاً ، كان من باب أنّها تمتلك قدرات وإمكانات ، تستطيع أن توظفها في المعركة لصالح تحرير فلسطين من الإحتلال البغيض ، مع أنّ أغلب الأنظمة الإسلامية تتزوّد بالسلاح ولو كان من النوع الدفاعي فقط ، لا من أجل أن تدافع عن نفسها ، بل من أجل ضرب الحركات التحريرية لشعوبها الرازحة تحت نير الظلم والإضطاد أيضاً ، ولكن من باب القيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، المطلوبة منه ، كونه في مقام التصدّي لقضايا الأمّة كلّها ، كان يوجّه الخطاب لتلك الأنظمة لعلّها تسمع وترعوي وتعود عن ضلالها وانحرافها وارتمائها في أحضان القوى الإستكبارية . ولعلّ هذا الخطاب هو الأوسع والأكثر شيوعاً في بيانات الإمام (قده) ، وخطاباته طوال ربع قرن من الزمن ، كلّ ذلك لأنّه كان يرى في الشعوب القوة الكامنة ، التي تستطيع أن تغيّر مجرى التاريخ ، لتمسك بيدها مقدراتها ، وتستغلّ خيراتها ومواردها لصالحها ، بدلاً من أن تكون نهباً بيد الأنظمة التي تنفّذ مخطّطات الإستكبار على حساب شعوبها ورقيها وتقدمها . ويبدأ الإمام (قده) خطابه للشعوب بالثورة على أنظمتها التي كان يرى فيها العقبة الكبرى في وجه امتلاك الأمة لقدراتها والإمساك بزمام أمورها ، وقد عبّر عن ذلك في جملةٍ من بياناته ، فمنها : ( يا مسلمي العالم ، ويا أيّها المستضعفون ، انهضوا وعيّنوا مصائركم بأنفسكم ، إلى متى تنتظرون أن تتعيّن مصائركم في واشنطن أو موسكو ) . أو كما قال (قده) : ( يجب على الشعوب أن لا تكتفي بالجلوس ، وأن لا تعتمد على حكوماتها لأنّ هذه الحكومات لا تعمل إلا بما يتوافق مع مصالحها الخاصة . يجب أن تعرف الشعوب ، أنّ رمز انتصارها هو طلب الشهادة ، وأن يتيقنوا بأن لا قيمة لهذه الحياة الدنيوية ، المادية والحيوانية التي يعيشونها ) . من خطاب الإمام إلى القادة الفلسطينيين بتاريخ أذار 1979 م . أو كما قال (قده) أيضاً : ( إنّي أتمنى أن يتشكل حزب ، باسم حزب المستضعفين في جميع أنحاء الدنيا ، وأن ينضمّ إليه جميع المستضعفين في العالم ، لتزول المشاكل والعقبات التي تقف في طريق تقدّمهم ، وينتفض عبره المستضعفون في مواجهة المستكبرين والغزاة الشرقيين والغربيين ، وبذلك سوف لن يسمحوا بإدامة الظلم الإستكباري لهم ، وينطلقوا ليحقّقوا نداء الإسلام والوعد الذي قطعه لهم ، بوراثتهم الأرض وتحكيمهم فيها ) . من توجيهات الإمام بتاريخ 19/ 8 / 1979 م/ . وكما قال أيضاً في بيان يوم القدس الصادر عام 1979 م ، بتاريخ 16/ 8/ 1979 م / (3) . ومن هنا نفهم لماذا كان الإمام (قده) يركز على ضرب المثال بالثورة الإسلامية التي كان الشعب المسلم في إيران يرزح فيها تحت نير وظلم النظام الشاهنشاهي الرجعي والعميل ، وذلك من أجل أن يعطي للشعوب مثلاً حياً من الواقع الذي يماثل ما يعيشونه في بلدانهم تحت سلطة أنظمتهم ، وهذا المعنى ردّده الإمام أيضاً في الكثير من بياناته ، بعد أن انتصرت الثورة ، واستطاعت أن تقتلع حكم آل بهلوي ، وترميه في مزابل التاريخ ، ليصبح أثراً بعد عين ، مع أنّ ذلك النظام كان أقوى من كلّ الأنظمة المجاورة له من حيث الناحية العسكرية والقدرات التي كان يمتلكها في هذا المجال ، وهذا كلّه كان من أجل أن تنتفض الشعوب على محتكري السلطة فيها ، أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا خدّاماً عند القوى الإستكبارية ، وجعلوا شعوبهم ترزح تحت سيطرة تلك القوى الكبرى التي لا يهمّها من الشعوب إلا أن تكون أسواقاً استهلاكية لمنتجات مصانعها العسكرية والغذائية والكماليات بكلّ أنواع الترف واللهو المتضمّنة فيها ، ومن كلماته في هذا الجانب هي ما يلي : ( نحن كافحنا القوى العظمى بقدراتنا الإيمانية ، وقطعنا أيديهم عن بلادنا ، وإذا كنتم تريدون التخلّص من مشاكلكم ، وأردتم تحرير بيت المقدس ، وفلسطين ، واذا كنتم تريدون تحرير مصر ، وسائر الدول العربية ، عليكم أن تحرّضوا الشعوب للنهوض ( من خطاب الإمام إلى القادة الفلسطينيين ـ أذار 1979 م . ) . يجب على الشعوب ومن كلمات الإمام وبياناته في هذا المجال هو : ( أنّ الشعوب هي القادرة على حلّ مشاكلها ، وقد رأيتم مشكلتنا ، التي كانت أصعب بكثير من مشاكل الآخرين ، وكانت قدرة الشاه المخلوع الشيطانية ، أكثر من سائر القدرات ، كما أنّ القوى العظمى وجميع الحكومات في العالم ، الإسلامي منها وغير الإسلامي ، كانت تقف إلى جانبه وتسانده ، وقد لاحظتم أيضاً ، أنّ تغلّبنا على مشكلتنا لم يكن في اللجوء إلى حكومة أو الإستعانة بقدرة أو قوة كبرى ، بل إنّ شعبنا هو الذي حلّ المشكلة بنفسه ، بعد أن غيّر ما في نفسه . لقد غيّر شعبنا ما في نفسه ، حين تحوّل من الخوف إلى الشجاعة ، ومن اليأس إلى الإطمئنان ، ومن الإهتمام بذاته إلى الإهتمام بالله ، ومن الفرقة إلى الإتحاد ، وكان هذا التحوّل الشبيه بالمعجزة ، سبباً في حلّ المشكلة الكبرى ، التي أجمع العالم على استحالة حلّها . فلا تظنّوا أنّ الشعب الإيراني كان يمتلك السلاح .. ، نعم كان يمتلك سلاحاً روحياً يتمثل بايمانه بالله تعالى ، وإيمانه برسالته ، وتوكله على مصدر القوة ، ووحدة كلمته . أمّا ما ترونه من البنادق في أيدي الشعب ، فإنّها تمثل الغنائم التي حصلوا عليها من جلاوزة الشاه ، وإلا فلم يكن للبندقية مكانة ، بل كان الإيمان وحده . وكان أبناء الشعب أينما يذهبون ، من العاصمة وحتى الحدود ، يردّدون كلمة واحدة . كان الجميع يردّد عالياً ، وحتى الأطفال الصغار ، بأنّنا نريد الإسلام .. نريد إقامة الجمهورية الإسلامية ، كان هذا الشعار شعار طلبة الجامعات والمدارس والشباب والشيوخ والنساء والرجا ل. شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى ، أن تبعث في جسد هذه الأمة ومضةً أيقظتنا من السُبات العميق ، الذي أدخلتنا إليه القوى العظمى ، ودفعتنا إلى الغفلة عن القضايا ، التي كان من الواجب أن نهتم بها ، لقد انحلّت تلك المشكلة المستعصية ، مشكلة الشاه وبطانته وجلاوزته ، وكان الحلّ بيد أبناء الأمّة أنفسهم ، دون أن ترد من خارج الحدود بندقية واحدة ، ودون أن تساعد الشعب حكومة أجنبية ، بل بالعكس فقد اتخذت الحكومات موقف المعارض ، فالعراق كان يخالفنا بشدة ، والكويت كذلك ، وتعرفون موقف مصر معنا جيداً ، ومواقف سائر الحكومات معلوم ومكشوف ، ومع كلّ هذا فالشعب اقتحم الميدان بأيدٍ خالية ، وحطم تلك السدود التي ظنّ أنها مستعصية . يجب أن يكون عملنا منصباً على تعريف الشعوب ـ حيثما كانوا ، بواجبهم المحدّد ، فإذا أردتم وأراد الآخرون ، ورغب العلماء ، ـ جميع علماء البلاد الإسلامية ـ في إيجاد حلّ مشكلة الإسلام والدول الإسلامية ، فإنّ عليهم أن يوقظوا أبناء الأمة التي ركزوا في ذهنها خلال سنوات طويلة ، الإعتقاد بعدم إمكان معارضة أمريكا أو الإتحاد السوفييتي ، ولا زالت هذه الدعاية راسخة في الأذهان . يجب علينا أن نُفهم الشعوب ، بأنّ هذا الأمر ممكن ، وخير دليل على ذلك ما حدث في إيران ، لقد ملاؤا أدمغتهم بأنّه لا يمكن خوض الحرب مع تلك القوى ، ولا يخفى أنّ هذه الأمور هم الذين قاموا بإشاعتها من طريق عملائهم ، داخل صفوف شعوب البلدان الإسلامية ). من خطاب الإمام إلى المشاركين في مؤتمر القدس العالمي 9/ 8 /1980 م . انبعاث الثورة الإسلامية في الشعب الفلسطيني المسلم : إنّ الخطاب المتكرّر من الإمام القائد (قده) ، كان له أثرٌ ايجابي كبير على مستوى نهضة الأمة ككل ، وصارت الأنظمة ترتجف خوفاً من ذلك الخطاب الذي لم يعد أحد قادراً على منعه من الوصول إلى مسامع الشعوب الإسلامية التي ترزح تحت ظلم وجور حكامها المستعبدين والمسخّرين للإستكبار العالمي ، وكذلك إلى مسامع الشعوب الأخرى المستضعفة التي تعاني من نفس المشاكل التي تعيشها الشعوب الإسلامية ، وشرعت الأنظمة بمحاصرة خطاب الإمام بقوة ، على أمل منع تأثيره ، خاصة بعد أن أثبت ذلك الخطاب قدرته على تحريك الشعوب ، وبثّ روح الجهاد والتضحية فيها ، وتقديم هذه الروح على أيّ شيءٍ آخر ، إلا أنّ ذلك كلّه لم يجد نفعاً ، وبدأت الشعوب تعي الواقع المرير الذي تعيشه ، وبدأت تتحرك لكي تعلن رفضها للواقع القائم ، واحتارت الأنظمة في أمرها ، وكيف السبيل للخروج من هذا الحصار الكبير الذي وقعت فيه ، والضيق في الهروب أمام شعوبها ، ولهذا كانت محاربتهم للشعار الذي رفعه الإمام (قده) وهو ( شعار يوم القدس ) ومنعوا شعوبهم من المشاركة في إحيائه ، خوفاً من أن يؤدي ذلك في المستقبل إلى تعرية تلك الأنظمة ، ومن ثمّ إسقاطها على أيدي تلك الشعوب المستضعفة ، لأنّ تلك الشعوب قد وجدت طريق الخلاص ، وها هي ترى أمامها أنموذجاً عملياً يعيش في العالم ، من دون أن تستطيع كلّ القوى في العالم أن تسقطه ، أو أن تغيّر من توجّهاته في العيش بعيداً عن سيطرة الغرب الكافر ، أو الشرق الملحد الجاحد . وبما أنّ الشعب الفلسطيمي المسلم الذي يرزح تحت الإحتلال المباشر من جانب إسرائيل ، الكيان الغاصب للقدس الشريف ، فقد استجاب ذلك الشعب لنداءات الإمام القائد ، وشرع بالعودة إلى جذوره الأصلية التي كان قد تركها ، كما تركتها الشعوب الإسلامية الأخرى ، وعادت الحركة إلى بيوت الله من جديد لتمتلئ بالمصلين التائبين ، وبالمؤمنين الذين صاروا واعين لمخاطر البقاء في الحالة التي هم عليها ، وهم منتظرون الدول العربية ، لكي تحقق لهم وعدها بتحرير الأرض والإنسان ، وإعادة البسمة إلى ربوع المسجد الأقصى الحزين الباكي ، الذي يشكو غمّه وحزنه إلى الله تبارك وتعالى من نفاق الذين يدعون تحريره من براثن الإحتلال ، مثال ، الملك الحسن الثاني ، الذي يترأس (لجنة تحرير القدس ) وهو الذي استضاف في دولة إسلامية ـ المؤتمر اليهودي العالمي ، وهو الذي رتّب اللقاءات الخيانية التي كانت تتمّ بين مسؤولين صهاينة ، ومسؤولين من الأنظمة العربية ، ومن المنظمات الفلسطينية . إنّ الشعب الفلسطيني ، الذي كان ينظر بعين السوء إلى كلّ ذلك ، وجد في دعوة الإمام ، سبيل الخلاص والتحرّر ، ولو كان مكلفاً ، ولو كان بحاجة إلى بذل المهج والدماء ، لكن الإمام (قده) ، بتلك النداءات المخلصة والصادقة ، والتي لا يهدف من خلالها إلى منصب أو زعامة ، وإنّما يهدف إلى القيام بواجبه تجاه أمته العظيمة ، كما كان يحب أن يسمّيها ، لعبت ذلك الدور الكبير ، في إذكاء روح الثورة والجهاد ، وإذا بانتفاضة الشعب المسلم في فلسطين تنطلق ، ومن دون مقدمات ، لكي تبدأ مسيرة ذلك الشعب الذي كان قد فقد كلّ أملٍ بسبب الخيانة الكبرى التي ارتكبت في حقه ، حتى من الذين يدّعون العمل من أجله ، وهي قيادته المتمثلة بـ ( منظمة التحرير الفلسطينية ) التي صارت كغيرها من الأنظمة ، التي تلهث وراء صلحٍ مُذل مع الكيان الغاصب ، على حساب الشعب المسلم في فلسطين . وبدأت ثورة الحجارة ، التي لم يكن أحد يتوقع أن تستمر وتصمد أمام إسرائيل ، إلّا أنّ إرادة ذلك الشعب التي اكتسبها من إخوانه في إيران الإسلام ، ومن أبطال المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان ، والبقاع الغربي ، أيام الإجتياح الإسرائيلي كما اعترف بذلك بعض القادة الإسلاميين للإنتفاضة ، هي التي مكّنت ثورة الحجارة من أن تقوى وتمتد وتطول فترتها ، حتى وقعت أغلب الأنظمة اللاهثة وراء الصلح في حيرة من أمرها ، وإذا بها تبدأ بالمناورات ، التي استوحتها من أسيادها المستكبرين ، من أجل قطع الطريق على الإنتفاضة الإسلامية المباركة لشعبنا المجاهد المضحي في الأرض المحتلة ، وإذا بنظام الأردن الشهير وهو الذي لم يتخل عنها يوماً ، إلا أنّ السعي الحثيث لإسقاط الإنتفاضة التي عرّت كلّ تلك الأنظمة الرجعية هي التي دفعته لذلك ، وبأمرٍ من أسياده وأولياء نعمته . وها هي الإنتفاضة ما زالت مستمرة إلى الآن ، على أمل أن تصل إلى أهدافها كاملاً باذن الله تبارك وتعالى ، مع أنّ الشهداء ، صار عددهم كبيراً ، ويقرب من خمسماية شهيد ، ما عدا المجروحين ، والمسجونين والمبعدين ، مع هذا كلّه ، ما زالت قوية ، وتندفع بقوةٍ أكبر ، كلّما سقط شهيد ، وهذا هو عين ما قاله الإمام (قده) عن الشعب المسلم في إيران ، عندما تحوّل من الخوف إلى الشجاعة ، وعندما غيّر ما في نفسه ، غيّر الله ما بهم ، وجعلهم أقوى من كلّ القوى التي تريد أن تقف في وجه انتصارهم الحتمي على أعداء الله والإسلام والإنسان . واستمرار الإنتفاضة هو التطبيق الحي لمقولة الإمام التي استقاها من شريعة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، التي تعتبر أنّ طلب الشهادة ، والسعي إليها هو طريق الخلاص للشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها . وهذا ما قاله الإمام (قده) وهو: ( يجب أن تعرف الشعوب ، أنّ رمز انتصارها هو طلب الشهادة ) ، الهوامش : 1ـ إنّ إسرائيل هي وليدة التفكير والتبني المشترك للدول الإستعمارية ، الشرقية منها والغربية ، وقد وجدت بالأساس لاحتواء وقمع الشعوب الإسلامية في المنطقة ، وهي اليوم تدعم وتنسند من قبل جميع المستعمرين في العالم . إنّ بريطانيا وأمريكا تحرّضان إسرائيل ، عن طريق دعمها عسكرياً وسياسياً وتزويدها بالأسلحة المدمّرة وتدفعانها إلى القيام بالإعتداءات المتوالية ضدّ العرب والمسلمين ، واستمرار احتلالها لفلسطين وباقي الأراضي الإسلامية المغتصبة وفي الوقت يقوم الإتحاد السوفيتي ، عبر امتناعه عن تزويد المسلمين بالأسلحة ، واتباعه أساليب الخداع والخيانة ، والتزامه بالسياسة التساومية ، بترسيخ وضمان الوجود الإسرائيلي في فلسطين المحتلة . لو كانت الأقطار الإسلامية والشعوب المسلمة ، قد اعتمدت على الإسلام ، بدلاً من اعتمادها على المعسكرين الشرقي والغربي ، ووضعت تعاليم القرآن الكريم ، التحرّرية والمشعّة بالنور لما أرعبتها طائرات الفانتوم الأمريكية ، ولمّا خضعت للأساليب التساومية وألاعيب المكر الشيطانية التي يتبعها الإتحاد السوفيتي . إنّ ابتعاد الدول الإسلامية عن القرآن الكريم كان السبب في انتشار أجواء الخيبة والظلام بين الشعوب الإسلامية ، ووضع مصير الشعوب المسلمة ودولهم رهناً للسياسة التساومية للإستعمارين الشرقي والغربي على حدّ سواء . من الرسالة الجوابية للإمام إلى الطلبة المسلمين المقيمين في أمريكا وأوروبا وكندا بتاريخ 9/ صفر/ 1393 هـ . ق. 2 ـ إنّ اتفاقية كامب ديفيد ونظائرها تعتبر مؤامرة تهدف إلى إضفاء الشرعية على الإعتداءات الإسرائيلية ، وهي في النتيجة ، غيّرت الظروف والأجواء السائدة في المنطقة لصالح إسرائيل وسبّبت الأضرار للعرب والفلسطينيين وإنّ هذه الحالة السائدة سوف لا تقبل من قبل شعوب المنطقة . من المقابلة الصحافية للإمام مع وكالة أنباء الأسيوشتيدبرس ـ بتاريخ 7/ 1 /1978 م . 3 ـ إنّ يوم القدس يوم عالمي ، لا يختص بالقدس ، بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين ، إنّه يوم مواجهة الشعوب ، التي رزحت طويلاً تحت نير الظلم الأمريكي وغير الأمريكي ، للقوى العظمى ، يوم يجب أن يستعدّ فيه المستضعفون لمواجهة المستكبرين ، ولتمريغ أنوفهم في الوحل . إنّه يوم الفصل بين المنافقين والملتزمين ... الملتزمون يتخذون هذا اليوم ( يوماً للقدس ) ، ويحرصون على تكريمه ، أمّا المنافقون ، الذين يرتبطون بالقوى العظمى من وراء الستار ، ويعقدون أواصر الصداقة مع إسرائيل ، سيتجاهلون هذا اليوم ، بل وسيصدون الشعوب عن الإحتفاء به . إنّ يوم القدس ، يوم يجب أن يتقرّر فيه مصير الشعوب المستضعفة ، وأن تعلن فيه الشعوب المستضعفة عن وجودها أمام المستكبرين . لا بدّ للشعوب المستضعفة أن تعتبر من الشعب الإيراني ، الذي نهض ومرّغ أنوف المستكبرين في التراب عليهم أن ينهضوا معاً ويلقوا بجرثومة الفساد (إسرائيل ) في مزابل التاريخ . إنّ يوم القدس ، يوم ينبغي أن تنذر فيه القوى الكبرى برفع يدها عن المستضعفين وبالكفّ عن تدخلاتها ، وأن ننذر فيه إسرائيل عدوة البشرية وعدوة الإنسان المستمرة في الإعتداء ، وخاصة على أخوتنا في جنوب لبنان ، وأنّ على إسرائيل أن تعلم أنّ أسيادها فقدوا مواقع أقدامهم في العالم وعليها أن تنتظر الزوال . إنّ يوم القدس ، هو يوم الإسلام ، ويوم إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه في البلاد الإسلامية ، وهو اليوم الذي لا بدّ فيه من أن ترفرف راية الجمهورية الإسلامية في جميع البلدان . يوم القدس ، يومٌ يجب فيه على الشعوب أن تحذّر حكوماتها التي ثبتت خيانتها ، أنّه اليوم الذي نتعرّف فيه على الأشخاص ، والأنظمة التي تتوافق مع المتآمرين والمخرّبين الدوليين ، والتي تخالف الإسلام . فالذين لا يشاركون في تكريم هذا اليوم وإحيائه ، هم مخالفون للإسلام وموافقون لإسرائيل ، أمّا المشاركون في تكريم هذا اليوم وإحيائه ، هم ملتزمون وموافقون للإسلام ومخالفون لأعدائه ، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل ، ففي يوم القدس يمتاز الحق عن الباطل ، إنّه يوم الفصل بين الحق والباطل ، يوم انفضاح المتآمرين الموالين لإسرائيل . نسأل الله تبارك وتعالى ، أن ينقذ إخواننا في فلسطين وجنوب لبنان وفي شتى بقاع العالم ، من ظلم المستكبرين والقراصنة الدوليين . 4 ـ إنّ ملحمة البراءة من المشركين لم يمر عليها أكثر من عام ، ومع ذلك فإنّ عطر الدماء الطاهرة لشهدائنا الأعزاء ، قد ضمخ العالم كلّه ، ونحن نرى آثارها في أقصى نقاط العالم ، فملحمة شعب فلسطين ، ليست وليدة الصدفة ، ترى هل تتصوّر الدنيا خالية من هجمات الصهاينة الوحشية ؟ هل هو نداء الوطنية وحده الذي خلق من وجودهم عالما من الصمود ؟ أمن أشجار لاعبي السياسة الذين باعوا أنفسهم ، تنهمر على الفلسطينيين أثمار الصمود وزيتون النور والأمل ؟ كيف يكون ذلك وهؤلاء عاشوا سنوات طويلة في جوار الفلسطينيين وتعيشوا باسم الشعب الفلسطيني ؟ لا شكّ أنه نداء ( الله أكبر ) نداء شعبنا الذي دفع الشاه في إيران ودفع الغاصبين في بيت المقدس إلى اليأس ، وهو تحقق شعار البراءة نفسه الذي رفعه شعب فلسطين في تظاهرات الحج جنباً إلى جنب أخواته وأخوته الإيرانيين حين نادى بصرخة تحرير القدس ، ورفع شعار الموت لأمريكا وروسيا وإسرائيل ، وسال دمه على مهد الشهادة نفسه الذي سالت عليه دماء أعزائنا . أجل إنّ الفلسطيني الذي ضلّ طريقه وجدها في طريق برائتنا كيف انهارت في هذا الصراع الاسوار الحديدية ، وكيف انتصر الدم على السيف ، والإيمان على الكفر ، والصرخة على الرصاصة ، وكيف خاب حلم بني إسرائيل في الحكم من النيل إلى الفرات ، وشعّ مرّة أخرى كوكب فلسطين الدرّي من شجرتنا المباركة اللاشرقية واللاغربية . من بيان الإمام بمناسبة مرور عام على مجزرة مكة المكرمة 5/ ذو الحجة / 1408/ هـ .