الدين والسياسة عند الإمام (قده)
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1604
ونحن نعيش في رحاب شهر ربيع الأول ، شهر ولادة نبي الرحمة والهدى أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) لا بدّ من التوقف قليلاً عند مسألة مهمة وهي ( الدين والسياسة ) لكي نقرأ في كتاب الإمام الخميني (قده) آراء في هذين الأمرين ، بمعنى هل هما مرتبطان ببعضهما أولا يوجد ارتباط وعلاقة بينهما ، وإذا كانت العلاقة موجودة فما هي حدودها في الإسلام ؟ أولاً : يشير الإمام الخميني (قده) إلى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يقتصر في جهاده من أجل الإسلام على الدعوة إليه وتبليغه للناس ، ثمّ تركهم وشأنهم ليختاروا شكل الحكومة أو النظام الذي يُراد له أن يدير حياتهم وينظم أمورهم ، بل إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد أن نجح في إيصال رسالة الإسلام إلى مجتمع المدينة المنوّرة ، عمل على إدارة أموره وفق السياسة الإسلامية في كلّ القضايا الداخلية والخارجية المرتبطة بالمجتمع الإسلامي . ولم يصدر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أبداً ما يشير إلى أنّه تخلّى عن أولئك الناس بعد أن آمنوا به والتزموا الدين الذي جاء به من
عند الله ، كما يحاول الكثير من حكام الشعوب الإسلامية اليوم أن يصوّروا الأمرعلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) هو مجرّد بشير ونذير ولم يكن في يومٍ من الأيام حاكماً للمسلمين وقائداً سياسياً يدير شؤون دولتهم ، ويوحون بهذا من خلال بعض الأقلام الماجورة التي باعت دينها للشيطان لكي يروّجوا لهذا الأمر عبر تنظيرهم له فكرياً وعقائدياً . يقول الإمام الخميني (قده) في هذا المجال: ( ... وهذا الرسول الكريم أيضاً ، بعث وحيداً وخطط لمدة ثلاث عشرة سنة وحارب لمدة عشرسنوات ، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم ) ) لم يقل " ما لنا وللسياسة " ؟ ، لقد أدار الدولة الإسلامية ولم يقل ما لنا ولهذا الكلام ؟! وهذه أيضاً حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) التي تعلمون كلّ ما يتعلق بوصفها وكيفية سياستها ووضع حروبه ، إنّه أيضاً لم يقل " لنجلس في بيوتنا وندعو ونقرأ الزيارة ، ما لنا ولهذا الكلام ؟ ! ) . من هنا ينطلق الإمام الخميني (قده) مرة ثانية ليقول: ( والله إنّ كلّ الإسلام سياسة ، لقد أوضحوا الإسلام بشكلٍ سيء ، إنّ ّالدبلوماسية تنبع من الإسلام ) ،ويقول أيضاً: ( إنّ أحكام الإسلام تشهد على أنّ للإسلام نواحٍ معنوية ونواحٍ مادية ، له أحكام معنوية وكثير من أحكامه سياسية ... العلاقة ما بين الحاكم والشعب ، علاقات الحكومة والناس عامّة ، علاقة الحاكم وبقية الحكومات ، وضع المفاسد الموجودة ، كلّ ذلك سياسة ، والأحكام السياسية في الإسلام أكثر من الأحكام العبادية ، للإسلام كتب سياسية أكثر ما له كتب عبادية ) . ثمّ ينطلق الإمام (قده ) ثالثاُ ليؤكد هذه الحقيقة فيقول: ( إنّ التدخّل في الأمور السياسية من أعظم الأمور التي بعثت لأجلها الأنبياء (عليهم السلام) ) . من هنا نرى أنّ الدول الإسلامية بأكثريتها عندما لم تنطلق في إدراة أمور شعوبها من الإسلام فإنّها لم تلحظ لهذا الدين ما يكفي من الإهتمام حتى على مستوى رعاية الشؤون الدينية البحتة ، وإنّما سعت وما تزال إلى تسخير الدين لخدمة الحكام وتبرير كلّ أفعالهم وتصرفاتها ولو كانت ضدّ مصلحة الأمّة والإسلام . بل نجد أنّ الأغلبية من هذه الأنظمة اليوم تعمل على إلصاق تهم الإرهاب والظلامية والرجعية بكلّ الذين يعملون على الإنطلاق من إسلامهم في ميدان العمل السياسي أو العسكري في مواجهة الواقع الضاغط على شعوب هذه الأمة ، بينما نراهم يشجّعون السياسات الباطلة والمنحرفة ويضفون عليها الشرعية وكلّ ذلك من أجل أن يقولوا إنّ الإسلام ليس ديناً للحكم وللحياة ، إنّما هو دين للعبادة فقط . إنّ هذه المغالطة التي تتمسّك بها الأنظمة اليوم وتروّج لها وفق أوامر صادرة من قوى الإستكبار العالمي التي وجدت أنّ الدولة الإسلامية لا يمكن أن تكون محكومة لها ، وترى في وجود مثل هذه الدولة التي تأخذ أحكامها وقوانينها من هذا الدين خطراً على مصالحها وامتيازاتها ، فهي بالتالي لا تريد لنموذج الدولة الإسلامية أن يتكرّر في العالم عبر هذه المقولات المنحرفة التي لا زالوا يصرّون على التمسّك بها لنفي الأبعاد السياسية لهذا الدين الإلهي العظيم . لهذا كلّه يقول الإمام الخميني (قده): ( ... وليس الإسلام مذهباً وديناً سياسياً فقط ، بل هو عبادي وسياسي معاً ، وسياسته مدغمة في عباداته ، يعني أنّ نفس الناحية العبادية لها ناحية سياسية ) . فهل بعد هذا كلّه يريدوننا أن نبقي هذا الإسلام بعيداً عن مسرح الحياة السياسية للأمّة الإسلامية ، وأن يبقى مزوياً في المساجد فقط ؟ إنّ الزمان الذي أوهمونا فيه أنّ سياستنا الإسلامية النابعة من ديننا هي سبب انهزامنا وتخلفنا قد ولّى ، وحلّ محلّه هذا الزمان الذي تمتزج فيه حياتنا العبادية بحياتنا السياسية فتؤثر كلّ منهما في الأخرى تأثيراً إيجابياً قوياً ومترابطاً يؤدي إلى تقوية الإرتباط بالله عزّ وجلّ بمنهاجنا العبادي ، ويعمل على الوصول بالأمة إلى المرحلة التي تقتنع فيها بأنّ الإسلام السياسي هو ضمانتها للوصول إلى الأهداف الكبرى في الدنيا والآخرة معاً . نختصر الكلام عند الإمام الخميني (قده) أنّ: ( سياستنا هي عين عبادتنا ، وأنّ عبادتنا هي عين سياستنا ) فلا فرق بين الأمرين إلّا في العنوان بينما المضامين كلّها تشير إلى ترابطٍ وثيق بين الدين والسياسة فلا انفصال بينهما ولا اختلاف . والحمد لله ربّ العالمين.