أسلمة قوانين الدولة
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2269
ولا شكّ أنّ هذه الإزدواجية في سياسة الدول الإسلامية لعبت دورا سلبيا على أفراد المجتمعات الإسلامية، لأنّ هؤلاء عندما صاروا مجبرين على تطبيق القوانين الرائجة في دولهم أدّى ذلك إلى ضعف الإرتباط والإلتزام بالإسلام في نفس تلك المجالات، ثمّ انسحب ذلك على ما هو خارج عن إطار القوانين الموجودة عند تلك الدول إلى المجالات الأخرى.
من هنا نجد أنّ الإمام الخميني "قده" الذي أدرك واقع الأمّة في هذا المجال كان يركّز على أنّ إسلامية الدولة لا يمكن أن تقف عند حدود الشعار فقط، وإنّما يجب أن تكون القوانين التي تحكم مسيرة الجميع حكّاما ومحكومين هي المستقاة من الإسلام أو على الأقل غير المتعارضة معه بأيّ نحوٍ من الأنحاء، ولهذا يقول "قده": (إنّ معنى جمهورية إسلامية هو جمهورية قوانينها أيضا قوانين إسلامية، إنّ كلّ القوانين التي هي من غير الإسلام ليست قانونا، وهي ليست محلّ رضانا ورضا الشعب).
ولا يكتفي الإمام "قده" بذلك، بل يترقّى من مجرّد عدم الرضا إلى وجوب إلغاء كلّ قانون مخالف للإسلام ويقول :(يجب أن تُرمى بعيداً كلّ القوانين المخالفة للشرع في زمن الطاغوت.. يجب على لجنة حماية الدستور ولجنة القضاء الأعلى إصدار تعميم يقول بأنّه يجب أن لا يعمل بالقوانين السابقة المخالفة للإسلام، وإذا عمل بها أحد فهو مجرم ويجب أن يُحاكم...).
ثمّ استطرد الإمام "قده" ليقول بأنّ المدّعي لدولته بأنّها إسلامية فعليه أن يسنّ القوانين وفق هذا الدين، ومن يخالف ذلك فإنّ عليه أن يقرأ الفاتحة عن روح تلك الدولة، لأنّها لن تكون دولة إسلامية بناء لهذا التعريف ويقول :(.. إذا لا سمح الله يحمل خلاف القوانين الإسلامية فيجب أن نقرأ الفاتحة على هذه الجمهورية).
بل يترقّى الإمام "قده" ليقول إنّ قوننة الدولة الإسلامية لا تنحصر في داخل إطار الدولة الإسلامية ، بل يمتدّ تقنين الدولة إلى علاقاتها بالمجتمع الدولي أيضا، حيث يجب على الدولة الإسلامية تطبيق قوانينها في هذا المجال، وليست ملزمة بالتقيّد بأحكام القانون الدولي إذا كان مخالفاً صريحا لأحكام الإسلام ويقول "قده": (.. وكلّ شيء يخالف الدين والقرآن.. ولو كان التزامات عالمية فإنّنا مخالفون له).
ثمّ يوضح الإمام "قده" إنّ معنى أسلمة قوانين الدولة لا يعني إلغاء رأي الشعب واختياراته في بعض المجالات التي يمكن للشعب أن يعطي آراءه بالنسبة للمقترحات التي لا تتنافى مع الإسلام، والدولة في هذا المجال ملزمة بأخذ رأي الشعب لتعرف إلى أيّ اقتراحٍ تميل أكثرية الناس ليكون للشعب بذلك دوره وحريته في اختيار اقتراح محدّد يراه أوفق بمصالحه ومسيرته، وإذا وافقت أكثرية الشعب على اقتراحٍ معين وصار قانوناً عند الدولة، فهذا القانون لا بدّ من تنفيذه على الجميع، بمعنى أنّ تطبيقه يصبح واجباً حتّى على الذين خالفوه ولم يؤيّدوه، ويقول "قده": (يجب عليكم جميعا التقيّد بقبول القانون ولو كان مخالفاً لرأيكم لأنّ الميزان هو الأكثرية، وهو تشخيص لجنة حماية الدستور بأنّ هذا ليس مخالفا للقانون ولا مخالفا للإسلام..).
ويترقّى الإمام "قده" في هذا المجال ويعتبر أنّ المعترضين على القانون بعد إقراره وقبل تبيّن مفاسده أو أضراره مثلا بمصالح الدولة والشعب هو عمل محرّم وغير جائز ويستحقّ من يقوم بالإعتراض إذا أراد تحريك قواعد شعبية في مواجهة ذلك بأنّه مفسدٌ في الأرض ويجب محاكمته على هذا الأساس ويقول: (بعد أن يصبح شيء ما قانونيا فإنّ اللجاجة في حقّه إذا كانت تريد تحريك الناس فهي إفساد في الأرض، ويجب على الحكومة أن تتعامل مع اللجوج على أنّه مفسدٌ في الأرض).
فالنتيجة إذن عند الإمام الخميني "قده" هي أنّه رفع شعار الأسلامة لدولةٍ تدّعي الإنتساب لهذا الدين في دستورها عليها أن تسنّ القوانين المطابقة للشعار المرفوع والمجعول جزءاً منه مقوّمات الدولة والشعب، وإلاّ فهي بذلك تضرّ الشعب وتخدعه وتسير به في غير الطريق الصحيح، ومن هنا يقول الإمام "قده" بأنّ من أكبر مصائب المسلمين أنّ الدول هذه لم تعد تهتمّ بالإسلام ولم تيسّر لشعوبها فهم هذا الدين ويقول :(إنّ مصيبة من أعظم المصائب هي أنّهم لم يدعوا الناس يفهمون ما هو الإسلام، إنّ الإسلام يعيش الآن في حالة إبهام... ولا يعلم الناس... ما هي الحكومة الإسلامية...).
لكن ثورة الإمام الخميني "قده" استطاعت أن تفرض هذا الإسلام من جديد كجزأ مهم من الحركة العالمية، وأن تجعل المسلمين يعودون إلى إسلامهم من جديد، وأن يصبح لهذا الإسلام أنصار وأتباع ومريدون مجاهدون وعاملون من أجل إيصاله إلى أن يصبح الحاكم من جديد لشعوب هذه الأمّة لتعيش الإنسجام بين دينها وواقعها الذي تعيش.
والحمد لله ربّ العالمين