الإسلاميّون ليسوا جنين فرانكشتاين بل طليعة الأمّة
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1505
ونتّفق معه أيضاً في الكثير من النقاط التي أثارها في مقالته كاشفاً فيها عن التسلّط والإستبداد الذي يمارسه النظامان "العراقي والسعودي" ضدّ شعبيهما واعتبارهما الحكم شكلاً من أشكال الوراثة التي تصل من الأب إلى الإبن أو من الأخ إلى أخيه كما في السعودية، أو من فردٍ من العشيرة إلى فردٍ آخر منها، وبالتالي لا يحقّ لمن هم خارج العائلة أو لمن هم من قرية أو مدينة أخرى أن يطمحوا للوصول إلى الحكم، وإلاّ كان السيف بالمرصاد لقطع الرؤوس وفصلها عن الأجساد، أو للسجن والتعذيب، وفي أقل درجات العقاب والنفي والإبعاد أو الحجر والتهديد.
فالمقال بشكلٍ عام جيد من حيث تحليله لواقع النظامين وحاجة كلّ منهما للآخر في مرحلة ما بعد ظهور الجمهورية الإسلامية التي كشفت عن زيف الشعارات التي كان النظام السعودي يرفعها، وكشفت بالتالي عن أنّه يستغلّ الإسلام كمظلةٍ لخدمة أهداف أحد طرفي الحرب الباردة في تلك الفترة وهي "أمريكا" التي كانت في صراعٍ مرير ضدّ "روسيا".
ولهذا نحن نؤيّد فكرة صاحب المقال التي ذهب إليها وهي أنّ التمويل المالي السعودي والتسليح الأمريكي للمجاهدين الأفغان لم يكن من أجل مصلحة الإسلام والشعب الأفغاني، بمقدار ما كان ذلك حاجة للدفاع الأمريكي عن منطقة الشرق الأوسط ومنع امتداد العملاق الروسي إلى المنطقة الغنية بالنفط والتي هي تحت السيطرة الأمريكية بالكامل.
لكنّنا مع كلّ ذلك لا بدّ من التوقّف عند بعض النقاط التي أثارها الكاتب تحريّاً للدقّة والموضوعية:
ـ أولاً: إنّ الحرب بين العراق وإيران لم تكن حرباً دينية، بل هي حرب فرضتها أمريكا والأنظمة الرجعية على الجمهورية الإسلامية للأسباب التي ذكرها الكاتب فلا نعيد الكلام.
ـ ثانياً: إنّ الخوف من صراع المذهبين كما تخوّف الكاتب ليس دقيقاً لأنّ معظم القيادات الدينية في عالمينا العربي والإسلامي كانت واعية، ولهذا فطوال سنوات الحرب لم نشهد صراعات مذهبية في أيّة دولةٍ بسبب الحرب بين العراق وإيران، وإن كان الإستكبار العالمي عمل ولا زال يعمل على إشاعة هذه النعرات بين المسلمين وبالتعاون الوثيق مع النظام السعودي في هذا المجال، وما جرى ويجري في باكستان شاهد على ذلك.
ـ ثالثاً: إنّ وصفه بأنّ المساعدات للإسلاميين في أفغاستان ـ التي كنّا نفضّل أن لا يعتمدها الإسلاميون ـ أدّت إلى نشوء وولادة ("جنين فرانكشتاين" أصولي إسلامي أخذ يرعب الأنظمة العربية) هو وصف مرفوض لأنّه نوعٌ من الإهانة المتعمّدة والواضحة التي لم يكن لها مبرّر على الإطلاق، وكنّا نتمنّى على الكاتب أن لا يصل إلى هذا المستوى اللأخلاقي والمتدنّي في استعمال الأوصاف غير اللائقة بكاتب صحفي مرموق مثله.
ـ رابعاً: إذا كان وصفه للإسلاميين يحمل صفة الدفاع عن الأنظمة العربية، فنحب أن نعرف عن ماذا يدافع؟ أعن إعتراف هذه الأنظمة بقيمة إنسانها؟ أم عن محافظتها على حقوق الإنسان؟! أم على سعيها المخلص لتحرير القدس وفلسطين؟! أم على جهدها لجمع الشمل وتوحيد الكلمة والقرار؟! أم على نضالها لتحرير قرارها من سيطرة أمريكا؟ ومَن مِن هذه الأنظمة يستحقّ أن يُدافع عنه، وأغلبها أنظمة عميلة مرتهنة تمعن في الخضوع والإستسلام أمام أمريكا وإسرائيل وتعمل على إذلال شعوبها وتركيعها وتدجينها للدخول في العصر الإسرائيلي وجعل هذه المنطقة محكومة لقرار هذا العدو التاريخي للأمّة.
ـ خامساً: وليكن معلوماً للكاتب أنّ "جنين فرانكشتاين" هذا هو الذي يقود اليوم حركة الصراع في فلسطين ولبنان وغالبية عالمينا العربي والإسلامي ضدّ الهجمة الأمريكية الصهيونية المشتركة باسم الإسلام المحمدي الأصولي الأصيل الذي لا يعرف المهادنة ولا الإستسلام، وهو الذي يرفع شعار "هيهات منّا الذلّة" يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون"، وأمّا الوحش الإرهابي فهو إسرائيل من جهة التي تقتل وتدمّر في فلسطين، فتقتل النساء والأطفال لمجرّد أنّهم يقذفون الحجارة ضدّ غطرستها ووحشيتها وجرائمها التي ترتكبها كلّ يوم، وفي لبنان حيث تقصف المدنيين وتروّع الناس وتحتلّ الأراضي وتقضمها والعالم الحرّ شاهد على كلّ ذلك ولا من يتحرك أو يدين، بل نجد الحماية التامّة لهذه الجرائم الصهيونية من الأنظمة المستكبرة في العالم وعلى رأسها أمريكا، بينما إذا قام المجاهدون من أبناء المقاومة الإسلامية في لبنان، وأبناء الشعب الفلسطيني المنتفض للدفاع عن أنفسهم ضدّ هذا العدو ينطلق الإعلام العالمي وتبعاً له الإعلام المرتهن والمأجور في عالمنا لإتهام هؤلاء بأنّهم وحوش وإرهابيون وأنّهم أعداء الإسلام في المنطقة.
والوحش الإرهابي هو الأنظمة العميلة في مصر والجزائر والأردن ودول الخليج التي فتحت أبواب بلدانها للعدو الإسرائيلي من جهة، وفتحت سجونها للمجاهدين من أبناء تلك الشعوب المخالفة لتوجّهات الأنظمة وعمالة حكّامها وخضوعهم لإرادة الشيطان الأكبر "أمريكا" وكأنّ قتال إسرائيل صار محرّماً بنظر هؤلاء العبيد ولو كانوا في مواقع الحكّام يذلّون جماهيرهم ويحطّمون إمكاناتهم خدمةً لأغراض أمريكا ولنيل رضا إسرائيل.
ـ سادساً: إذا كان للكاتب مشكلة مع بعض الإسلاميين فهذا لا يبرّر وصفهم بذلك الوصف غير اللائق، بل يمكن معالجة ذلك بالحوار الموضوعي الهادئ الذي يوصل إلى المطلوب، خاصة وأنّ الإسلاميين يدعون إلى الحوار لتقريب وجهات النظر بين أبناء الصفّ الواحد في مواجهة الظروف التي تعيشها المنطقة، فكان الأحرى بالكاتب أن يجتنب عن مثل تلك الأوصاف وينتقل إلى الحوار والنقاش بدلاً من ذلك.
وأخيراً نتمنّى على الكاتب الكريم توخّي الدقّة في التعابير واحترام توجّهات الآخرين ولو كانت مخالفة لآرائه ومنطلقاته، وليكن الحوار هو السبيل الحضاري والأخلاقي لمعالجة أيّ اختلافٍ في النظر إلى الأمور من أجل الوصول إلى القواسم المشتركة الجامعة بين الساعين لإنقاذ واقعنا ممّا هو فيه.
والحمد لله ربّ العالمين