السبت, 23 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

مقام العبودية عند الإمام "قده"

sample imgage

وقد كانت هذه الصفة ملازمة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) واصطبغت بها حياتهم حتّى صارت شعاراً لهم دون سواهم برزت بكلّ قوّةٍ ووضوحٍ في العديد من المواقف، فها هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن أُدميَت قدماه عندما رفض أهل الطائف يقول :( اللهم إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي)، وها هو علي (عليه السلام) يبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من دون أن يسأل عن مصيره بل يقول: (أوَتسلم يا رسول الله؟)، وها هو الحسين (عليه السلام) يقول بلسان الحال :( إلهي تركت الخلق طرّاً في هواك وأيتمت العيال لكي أراك).

 

هذه المدرسة الإلهية التي فرضت شعاراتها على الناس أجمعين من الموالين والمحبّين، بل الأعداء والمبغضين، هي التي ركن إليها الإمام الخميني رضوان الله عليه واستمدّ من علوم أصحابها ما أوصله إلى المقام السامي والرفيع في درجات الرقي والتكامل الإيماني والروحي، فكان خير تلميذٍ لأعظم مدرسة إنسانية أبرزت الإمكانات والقابليات البشرية بأروع ما يمكن وأعطى للإنسانية النماذج الكاملة لكي ينهل البشر كلّهم من معينها الذي لا ينضب.

لقد اتّخذ الإمام "قده" من مقام عبوديته نقطة الإنطلاق في دعوته للأمّة الإسلامية للرجوع إلى قواعدها الأصيلة، إلى الله، إلى الإسلام، إلى القرآن ، وإلى سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لتستمدّ من كلّ هذه القوى المعنوية قوّتها وعزّتها ومنعتها وقدرتها على تحرير شعوبها وتحطيم الأغلال والقيود المكبّلة بها.

ومن مقام عبوديته انطلق ليقاتل أمريكا وكلّ القوى المستكبرة وإسرائيل ونظام الشاه، ولهذا لم يعرف الخوف من كلّ هؤلاء إلى قلبه سبيلاً، بل على العكس من ذلك أخاف الله منه كلّ أولئك فانقلبوا من موقع الهجوم إلى الدفاع في مواجهة صوته الهادر المدوّي بالحق الصادع بما هو مأمورٌ به.

ومن مقام عبوديته الخالصة لله عزّ وجلّ رفض الإستعباد الذي تعيشه الأمّة حكاماً ومحكومين أمام جبروت وطغيان القوى الإستكبارية، فلم يترك فرصة أو مناسبة إلاّ ويؤكّد ويعيد ويكرّر على مسامع الأمّة أن تحرّر نفسها من قيود الخوف والتبعية، وتنطلق للسير مع الله لأنّه الأضمن لها والأحفظ لحقوقها والأكرم لإنسانها ووجودها.

ولهذا نرى أنّ الإمام من موقع عبوديته هذه أخذ الكثير من المواقف التي لم يجرؤ غيره على أخذها بسبب ضعفهم وذلّهم واستعبادهم ورضاهم بأن يهزموا أنفسهم قبل أن يهزمهم العدو بقوّته، فمن مواقفه المشهودة وقوفه بمواجهة مشروع فهد الخياني للصلح مع إسرائيل والإعتراف بها، ومنها موقفه من ضرورة استمرار الحرب مع النظام البعثي العراقي بعد فرضه للحرب على الإسلام وجمهوريّته، ومنها موقفه قبل كلّ هذا ومعه وبعده من أمريكا والتصريح بأنّها أعجز من أن تقوم بأيّ عملٍ ينتقص من قدرة الإسلام والأمّة، ومن مواقفه قراره بقبول أل 598 الذي أوقف الحرب مع العراق وفتواه الشهيرة بإهدار دم المرتدّ سلمان رشدي التي ما زالت ترعب دول الإستكبار العالمي وتجعلها تعيش القلق الدائم على حياة عميل رضي بأن يبيع عزّته وكرامته بثمنٍ بخسٍ لمستغلّيه وجلاّديه.

إنّ روح العبودية التي تجلّت في ذلك العبد الصالح الإمام الخميني "قده" هي التي تسلّلت منه وتسرّبت لتدخل قلوب أبناء هذه الأمّة فإذا بهم يحطّمون كلّ القيود والأغلال ويهزمون كلّ عوامل الضعف الموهوم والعجز المصطنع في نفوسهم وقلوبهم ويقفزون فوق الواقع المرير الذي فرضته عليهم التبعية للمستكبر المتعجرف ليبدؤا مسيرة جديدة مختلفة عن كلّ الفترات الماضية، وإذا بواقع الأمّة يبدأ بالتغيّر نحو صالح هذه الأمّة وخيرها، وإذا بالمستكبر الذي كنّا نخاف من وهم قوّته يضعف وينهزم أمامنا وينكشف لنا يوماً بعد يوم كلّ جبنه وهزاله وفراغه من كلّ معاني الشرف والعزّة والكرامة، وأنّه العدو الذي كان يصنع لنا الخوف في أنفسنا لنعيش الذلّ والهوان أمامه ولنكون الخاسرين عند الله وأنبيائه وأوليائه، بينما أراد الإمام "قده" لأمّته أن تكون المسألة على عكس ذلك، فتعيش العزّة أمام الأعداء والخضوع والعبودية لله عزّ وجلّ.

ولا شكّ أنّ استمرار الأمّة بالسير في هذا الخط هو الكفيل بوصولها إلى ما تريد من الأهداف، خاصة إذا تأمّلنا في الكثير من الإنجازات التي تحقّقت حتّى الآن بسبب سير الأمّة في خطّ العبودية لخالقها ورفض الخضوع لكلّ الذين سبّبوا وما زالوا الآلام والمآسي للأمّة في الفترة الماضية.

 

والحمد لله ربّ العالمين.