القرآن في نظر الإمام "قده"
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1956
ثانياً- "إسلامية الثورة": أي أنّ سبب نهوض الشعب وقيامه لم يكن بسبب مسائل سياسية أو إقتصادية كالنفط والوضع المعيشي السيّء، وإنّما كانت ثورة من أجل الإسلام بما يحويه من قيم ومبادىء تمثّل الإنسانية بأروع صورها الجميلة والمشرقة، ويقول: (إنّ سرّ انتصارنا يكمن في أنّ ثورتنا لم تكن سياسية فقط، ولم تكن من أجل النفط، بل كان لثورتنا ناحية إسلامية ومعنوية محضة).
ثالثاً- "وحدة كلمة الشعب": حيث يعتبر الإمام "قده" أنّ اتّحاد مختلف قوى الشعب كان سبباً رئيساً للإنتصار، باعتبار أنّ هذا الإتّحاد يشكّل عقبةً في وجه السلطة إذا ما حاولت أن تشتّت تلك الوحدة عبر استمالة بعض فئات المجتمع بإغراءات أو تهديدات محدّدة، ويقول: (... واجتماع الشعب في جميع أنحاء البلاد مع وحدة الكلمة من أجل ذلك الدافع وذلك الهدف...).
رابعاً- "الإعتماد على سلاح الشهادة": وهذا السلاح يعتبره الإمام "قده" من أهم الأسباب للإنتصار، لأنّ النهوض لا بدّ أن يستلزم دفع ثمن للخلاص من طغيان وجبروت الحكّام الظالمين وداعميهم من المستكبرين، وهذا السلاح هو المخيف دوماً، لأنّ الظالم يخيف الناس به، فإذا تجاوزت الجماهير هذا الخوف وأبدت كامل استعدادها للقتل والموت في سبيل المبادىء والأهداف المؤمنة بها، فلن يبقى بيد الظالم سلاحٌ أقوى ليُسكت به الثائرين، ويقول الإمام "قده" :(... فقد كان شبابنا كما كان المسلمون في صدر الإسلام يتمنّون الشهادة ويستقبلونها، لقد كان شبابنا يعتبرون الشهادة سعادة، سرّ الإنتصار يكمن في الإعتماد على القرآن والشهادة التي هي طريقٌ مقدّس ولذلك انتصر شبابنا في الوقت الذي كانوا يواجهون الدبابات بأيدٍ خالية، لقد انتصرت القبضة على الرشاش).
خامساً- "القيادة الصالحة والرشيدة": لأنّ مثل هذه القيادة يمكن للإنسان أن يأمن لها فيسلّمها دينه ودنياه، لأنّ التزامها الدقيق بالمواصفات الشرعية المطلوبة يجعلها في مأمنٍ من الإنزلاق أو الإنحراف، ولن تتخاذل أو تتخلّى عن الناس كما قد تفعل القيادات غير الملتزمة كما هو الملاحظ في معظم الثورات التي سقطت قبل النضوح، أو قبل الوصول إلى الهدف، مُضافاً إلى أنّ القيادة من منظارنا العقائدي تعتبر أنّ ما تقوم به هو تكليفها الشرعي قبل أيّ شيءٍ آخر، وأنّها ستكون مطالبة عند الله في حال عدم قيامها بهذا التكليف الإلهي العظيم، ولهذا يقول الإمام "قده" :(إنّ علاقة علماء الإسلام بالبلاد والقوانين الإسلامية علاقة إلهية لازمة لا تنفكّ أبداً، فنحن مأمورون من الله تعالى بحفظ البلاد الإسلامية واستقلالها، ونعتبر أنّ السكوت أمام هذه الأخطار المتوقعة على الإسلام وعلى استقلال الوطن جريمةٌ وذنبٌ كبير وموتٌ أسود عريض، إنّ إمامنا العظيم أمير المؤمنين عليه السلام لا يجيز السكوت مقابل الظلم ونحن كذلك، فوظيفتنا إرشاد الأمّة والحكومات وجميع الأنظمة ولن نمتنع عن القيام بهذه الوظيفة بعونه تعالى، فالسكوت على الظلم إعانة للظالمين في هذا الزمان).
هذا ما يحدّده الإمام "قده" كأسبابٍ كليّة لانتصار ثورة أيّ شعبٍ مسلم، ومن هنا كان انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران التي اعتبرت من أبرز الأحداث التي شهدها القرن العشرين، إن لم نقل بأنّها أعظم حدث نظراً لفرادة هذه الثورة في زمنٍ تحوّلت فيه القناعات عن الدين واعتباره أفيوناً ومخدّراً للشعوب، وساد منطق العلم والأسباب المادية للثورات وتغييب كلّ العناصر غير المادية عن التأثير في مجريات الأحداث والعصر.
ومن أعظم الإنجازات التي تحققّت بانتصار الثورة الإسلامية هو عودة الإسلام إلى المسرح العالمي، ورجوع المسلمين إليه لينطلقوا منه في واقع حركتهم المعاصرة ليكون ذلك مقدمة لنجاتهم من كلّ ما يعيشون فيه من قلقٍ وخوف، ولتحرير أمّتهم من قبضة قوى الإستكبار العالمي التي لا تريد الخير والسلام لهذه الأمّة العظيمة وتريد لها البقاء في الذلّ والهوان.
إنّ أعظم وفاء لذكرى الإمام الراحل "قده" هو أن نحافظ على السير في هذا الخطّ الذي أعطى الأمّة أكبر إنجازاتها في هذا الزمن، وقد صدقت كلّ تنبؤات الإمام، فما أن تمسّك المسلمون بطرفٍ من الأسباب التي ذكرها وأوضحها حتّى انتقلت الأمّة كلّها من مواقع الدفاع إلى الهجوم، ومن اليأس إلى الأمل، ومن الضعف إلى القوّة، ومن التمزّق والتفرّق إلى الإنسجام والتآلف والتوحّد في مقابل كلّ الأعداء، ولن يكون يوم الإنتصار العظيم للأمّة ببعيدٍ إن بقيت على الخطّ الذي تسلكه الآن بفضل ذلك القيادي الرباني الملهم الذي أحياها من الموت المعنوي الذي كانت فيه.
والحمد لله ربّ العالمين