ظاهرة انتشار الكتاب الإسلامي
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3442
وضع المسلمين نحو الأفضل والأحسن وفق ما كان المسلمون يأملون، وبشكلٍ عام فقد سقط الفكر العلماني في الأمّة في عالمنا الإسلامي سقوطاً انهزامياً ولم يعد قادراً على تشكيل بنية ثقافية ورؤية حضارية لما ينبغي أن تكون عليه الأمّة، كما أنّ هذا السقوط ترافق مع بدايات صحوة إسلامية عامّة لعبت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قده) ثمّ بقيادة ولي أمر المسلمين آية الله العظمى الإمام الخامنئي دوراً مهماً وكبيراً في إقناع المسلمين بأنّ دينهم قادر على تخليصهم ممّا يعانون، وهكذا بدأ المسلمون يعودون إلى الإسلام زرافات ووحداناً، وهذه العودة لم تقتصر على بلدٍ إسلامي دون آخر، بل كانت عامة وشاملة كما نلمس ذلك في أغلب الدول الإسلامية في العالم العربي وغيره.
ومن الطبيعي أنّ هذه العودة ليست منعزلة عن المقوّمات التي تصونها وتحضنها وتحميها من الإنحراف أو الإمتزاج، بما هو خارج عن العقيدة الإسلامية، ومن هنا يلعب الكتاب الإسلامي دوراً مهماً في ترسيخ مفاهيم الإسلام عند أبناء الأمة، ونحن في لبنان نشهد إقبالاً كبيراً على الكتاب الإسلامي في الضاحية وغيرها من المناطق اللبنانية، لأنّ المسلمين الذين عاشوا الغربة عن دينهم فتراتٍ طويلة هم الآن يتعطّشون للتعرّف عليه وقراءته بإمعانٍ وتأمّل، وهذا ممّا يعني أنّ الحاجة لهذا الكتاب هي التي دفعت لمثل هذا الإنتشار الواسع له في الضاحية خصوصاً، حيث تعتبر القلب النابض للحالة الإسلامية في لبنان ويتواجد فيها أعدادٌ غفيرة من الملتزمين الذين يشعرون بحاجتهم للكتاب الإسلامي ليصقل فكرهم ويقوّي العقيدة في نفوسهم. هذه هي بشكلٍ إجمالي الأسباب التي أدّت إلى بروز ظاهرة الكتاب الإسلامي بهذه الكثرة.
س- أرى الكتاب من لونٍ واحد ـ هو اللون الإسلامي ـ قد يساعد على الطائفية والإنقطاع عن القراءات الأخرى، فما رأيكم ؟
الجواب : المكتبات التي تتحدثين عنها وأنّها تضمّ كتاباً من لونٍ واحد هي مكتبات متخصّصة، أي أنّ الكتاب الذي تطبعه وتسوّقه هو الكتاب الإسلامي، كأيّ مكتبةٍ متخصّصة بأيّ نوعٍ من أنواع الكتب كالمكتبة الجامعية والمكتبة العلمية وما شابه، إلاّ أنّ هذا لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال أنّ هناك إنغلاقاً على هذا المستوى، فكون هذه المكتبات متخصّصة بترويج الكتاب الإسلامي لا يعني أنّها تعادي الكتاب الآخر مهما كان نوع ذلك الكتاب، ولهذا توجد مكتبات أخرى في الضاحية تبيع كلّ أنواع الكتب من الألوان الفكرية المتعدّدة، وإن كنّا لا نمانع في الفكرة القائلة بأنّ المكتبة المتخصّصة بالكتاب الإسلامي حالياً هي الأكثر والأبرز في الضاحية. وأمّا أنّ هذا الكتاب الإسلامي يساعد على الطائفية فهذه مغالطة كبرى ابتدعها أرباب السياسة في لبنان عندما شعروا ويشعرون بأنّ مواقعهم تهتز ، وهذا ليس بصحيح، فانتشار الكتاب الإسلامي يهدف إلى ربط المسلم بدينه وتعميق مفاهيمه عن هذا الدين حتى يكون هناك تطابق بين العقيدة والعمل وبين الإيمان والسلوك، مُضافاً إلى أنّ الأديان عموماً، والإسلام خصوصاً يأمر أتباعه ويدعوهم إلى الحوار والمجادلة مع أتباع الديانات الأخرى على قاعدة الإنسانية الجامعة بين الكلّ ولا يحجر عليه التواصل لما فيه خير الإنسان كلّه، وهذا القرآن الكريم ناطق بهذه الحقيقة بقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلاّ الله ...} إلى آخر الآية، وهذه الأحاديث تأمر المسلمين بذلك ومنها: "الناس صنفان إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق". وعليه فاتّهام الكتاب الإسلامي بأنّه يساعد على الطائفية ويغذّيها قول لا نقبله بل نرفضه أيضاً إنطلاقاً من عقيدتنا وقناعتنا بأنّ الحوار الجدي من أتباع الأديان هو من نتائج الإلتزام بالدين لا من نتائج أيّ شيءٍ آخر.
س- في عصورٍ إسلامية مرّت كانت هناك مزيج ثقافات (القرن الرابع الهجري)، فكيف نعمل على إشاعة الكتاب الإسلامي وحده في الضاحية ؟
الجواب : الإسلام لا يحرّم المعرفة والعلم على أتباعه، بل يشجّعهم على تحصيل أيّ علمٍ نافع يمكن أن يستفيدوا منه، من هنا نشطت حركات الترجمة في العصور الإسلامية الأولى من اللغات الحية في تلك العصور كاليونانية والفارسية والهندية واستفاد المسلمون من تلك الترجمات كثيراً، وهذا الأمر ما زال جارياً حتى اليوم، والقرآن الكريم يفرّق بين العالم وغيره ويقول: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟}، وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :"أطلبوا العلم ولو في الصين"،و: "أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
إلاّ أنّه لا بدّ من توضيح أمرٍ هنا، فمزج الثقافات إذا كان المراد به هو تحسين الإستفادة وتخفيف الأعباء والمصاعب عن الإنسان في مجالات العلوم الإنسانية والرياضية وغيرها ممّا له دخالة بتنشيط حركة الإكتشافات والإختراعات ورفع مستوى أداء الخدمات المطلوب توفيرها للحياة الإجتماعية فهذا لا مانع منه ويشجّع عليه الإسلام، وأمّا إذا كان المراد من مزج الثقافات هي خلط الأديان ببعضها فهذا في الحقيقة مسخ للأديان ولا يقبل به أتباع أيّ دين، لأنّ كلّ واحدٍ منهم يعتقد بأنّ دينه هو الأصوب والأصح. إلاّ أنّ المعنى الأول من مزج الثقافات هو الذي كان سائداً في العصور الإسلامية الأولى وهذا ما نشجّع عليه أيضاً ولا يرفضه أيّ عاقلٍ واعٍ مسلماً كان أم غيره.
والكتاب الذي تقصدين أنّه رائج في الضاحية يُراد منه تحصين العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين بعد عودتهم إلى دينهم، حتى يكون هناك ضمانة لعدم الإنحراف من جديد لمواجهة الهجمة الإستكبارية على العالم الإسلامي، إلاّ أنّ هذا لا يعني ـ نؤكد مرة أخرى ـ محاصرة أو منع ترويج أو رواج الكتاب غير الإسلامي على الإطلاق، والقضية في هذا المجال تتبع العرض والطلب، ففي مناطق أخرى من لبنان وهي عديدة قد نرى رواجاً للكتاب غير الإسلامي دون الكتاب الإسلامي، وهذا لا يشكّل حساسية أو مشكلة بالنسبة إلينا أن يكون الكتاب الرائج في المناطق المسيحية مثلاً هو الكتاب المسيحي فهذا أمرٌ طبيعيٌّ جداً، لكن على قاعدة عدم إلغاء الفكر الآخر أو مصادرة كتاب، فالأمر متروكٌ على عفوية وسجيه وليست من ضمن خطّة ممنهجة ومقصودة ومتعمّدة.