الإثنين, 25 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

دفاعاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذكرى مولده

sample imgage

ذكرى مولد رسول الرحمة والإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بد من التأمل فيها لما تحمله من معانٍ ودلالات وعِبر نحتاجها في وقتنا الراهن ونحن نواجه المؤمرات ضد هذا النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي استطاع بجهاده وصبره وتوكله على الله عزوجل من إخراج أمته من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن التفرق والتمزق إلى الوحدة والاجتماع، وتمكن من تأسيس النواة الأولى للدولة الإسلامية القائمة على موازين الحق والعدل الإلهيين، حيث لا طبقية ولا استعباد، بل مساواة أمام القانون الإلهي الذي يصنّف الناس على أساس المقاييس الدينية من التقوى والهدى والعمل الصالح طبقاً لقوله تعالى: (إنّ اكرمكم عند الله أتقاكم) .

 

فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الشخصية الأكثر قدسية في ديننا الإسلامي، وله الموقعية المميزة في العقول والقلوب، فلولاه لما اهتدينا ولما صلينا وصمنا ولا التزمنا بنهج الله وخطه في الحياة، ولذا نعتبر أن هذه الشخصية هي خط أحمر لا يحق لأحد أن يعتدي على حرمته وعلى شخصه وعلى مواصفاته، لأن التعرض بسوء هو عبارة عن عدم احترام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاستخفاف به والاستهانة بمكانته ومنزلته عند المسلمين، وعدم مساءلة المعتدي والمسيء قد تشجع بعضاً آخر على سلوك نفس النهج المسيء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به المسلمون المؤمنون بدينه وعقيدته.

والإسلام كدين يأمر أتباعه باحترام عقائد الآخرين وعدم التعرض لها بأي نوع من أنواع الإساءة لأنها مقدسة بنظرهم ، وطالما أنها مقدسة فهي تحظى باحترامهم وتقديرهم واهتمامهم، مهما كان رأينا كمسلمين في أنواع تلك العقائد والمفاهيم التي يؤمنون بها .

والاحترام المتبادل بين أهل الأديان والعقائد هو الذي يفتح الباب أمام الحوار العقلاني والهادئ الذي يبين فيه كل أصحاب عقيدة حججهم وبراهينهم على صحة معتقدهم ودينهم، من دون تسفيه عقيدة الآخرين، ونحن كمسلمين مأمورين بهذا النوع من الحوار كما قال تعالى: ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، وقوله الآخر: (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وهذا إن دل على شئ فهو يدل إلى أن الإسلام يريد منا احترام عقائد الآخرين، ليكون باباً للتفاهم والتلاقي، ومن أجل العيش بحرية وسلام وأمانة، ولا يكون اختلاف العقيدة باباً إلى الفتنة والتقاتل والحروب، لأن في هذا السبيل تدميراً للحياة الإنسانية ولكل قيمها ومبادئها السامية التي تنفر من الشر ونتائجه المدمرة على الحياة ككل، ولا يسلك هذا السبيل المدمر إلاّ الذين لا يستطيعون مواجهة البراهين القوية والحجج الدافعة الموجودة عند المسلمين على صحة نبوة النبي (صلى الله عليه آله وسلم) وصحة دينه وعقيدته وأنه الدين الذي كان يجب على كل أتباع الديانات السماوية اعتناقه والإيمان به لأنه الاستمرار للخط الإلهي العام الذي بدأ منذ نبينا آدم (عليه السلام) وصولاً إلى خاتم الأنبياء نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد عبر الله عن هذه الحقيقة الإلهية الثابتة بقوله تعالى مخاطباً أهل الكتاب: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به ولا يتخذ بعضنا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون) .

فالإسلام يريد من أصحاب العقائد المختلفة الانفتاح على بعضهم البعض، وتحقيق التقارب فيما بينهم ليعيشوا الحياة بحرية وانسجام، ومن دون حصول تشنجات تعكر صفو الحياة المشتركة فيما بينهم، إلا أن البعض من أتباع الديانات الأخرى يصرّون في يومنا هذا على التعرض للمقدسات الإسلامية عن سابق تعمد، فتارة ينشرون رسوماً كاريكاتورية مهينة تسيء إلى شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتارة يتعرضون للقرآن الكريم كتاب الله المقدس ودستور المسلمين ، وثالثة يعرض بعضهم ويعلن عن استعداده لقصف مكة والمدينة وهما " المدينتان المقدستان " لدى المسلمين، لأن الأولى فيها كعبة المسلمين وقبلتهم للصلاة ومكان طوافهم حول البيت العتيق ، والمدينة المنورة فيها قبر نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي تهفو إليه القلوب وتتوافد إليه أفواج المسلمين في مواسم الحج وغيرها لتجديد البيعة والولاء له .

وهذه التعديات المتنوعة ، وخصوصاً التي تركز على شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي تكررت كثيراً في الآوانة الأخيرة في العديد من وسائل الإعلام في الغرب والواقعة تحت تأثير القوى الاستكبارية والصهيونية العالمية ، يتصورون أنهم بهذه الأفعال الشنيعة والقبيحة والمستنكرة ينالون من شخص النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن مكانته لدى المسلمين والمؤمنين به، ويريدون من خلال تلك الافعال الكريهة أن يشوهوا صورته النقية والناصعة .

ونحن نعتقد أن هذه الهجمة المسعورة على شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو محاولة دنيئة ومكشوفة ، وهي حلقة من حلقات الصراع بين قوى الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية من جهة، وبين الإسلام المحمدي الأصيل من جهة أخرى الذي استطاع أن يثبت مواقعه في مواجهة السياسة الشيطانية الماكرة التي تعيث فساداً وإفساداً في أرض الله وفي عباد الله .

والادعاء بأن كل هذا التهجم هو من نوع حرية الرأي المسموح بها، فهذا القول مردود على أصحابه، والدليل هو أن حرية الرأي حتى في عالم الغرب تقف عند حدود " الهولوكوست" التي إن تجرأ أحد وتعرض لها فإنه سيصبح ملاحقاً ومعرّضاً للسجن وتشويه سمعته وجعل حياته جحيماً لا يطاق. ونحن كمسلمين نؤمن بالحرية وندعو إليها، ولكن شرط أن تكون حرية مسؤولية يؤدي الناس من خلالها دورهم بأمان وسلام، والحرية المسؤولة هي الوقوف عند حدود عقائد الآخرين وعدم التعدي على مقدساتها واحترامها، ولذا يقول الله عزوجل: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي..) ، ولذا عاش غير المسلمين في ديار الإسلام وهم يقومون بأداء شعائر دينهم من دون أن يتعرض لهم المسلمون بسوء، بل ورد في بعض المصادر التاريخية عندنا أن المسلمين كانوا يتشاركون المناسبات غير الإسلامية مع معتنقيها والمعتقدين بها من دون أن يشكل ذلك عقدة أو مشكلة عند المسلمين .

من هنا فإننا نعتبر أن التعدي على شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأي نوع من أنواع الإساءة هو إهانة لكل الأمة الإسلامية، ومن الواجب على الأمة أن تنهض وتستنكر وترد الأذى والاعتداء على شخص نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن بالأساليب التي لا تتضمن الإساءة إلى معتقدات الآخرين التي أمرنا الإسلام باحترامها، ولذا قال تعالى: (ولا تسبوا الذين كفروا فيسبوا الله عدواً بغير علم) ، وإنما أن يكون الرد بإبراز فضائل النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعريف شخصه للعالم الغربي كله، وذلك من خلال ما قاله المنصفون من علماء ذلك العالم بحق نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأن كلامهم هو حجة دامغة على كل المتطاولين على شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكذلك من واجب وسائل الإعلام الإسلامية المرئية منها والمسموعة والمقروءة أن تشارك بفعالية في هذه المهمة الجليلة العظيمة، خصوصاً أن هذه الوسائل صارت تصل إلى كل مكان في العالم ، وهو واجب كل الجاليات الإسلامية في العالم .

وكذلك ندعو إلى حوار بين أهل الأديان وخصوصاً الغيارى منهم على أديانهم ومعتقداتهم، لأن مثل هذا الحوار يمكن أن يلجم كثيراً من الإساءات التي تحصل، وهو البديل المناسب للرد على من يقول بصدام الحضارات والتي تعتبر أن الهجوم بالإساءة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من إفرازات هذه المقولة الشيطانية الماكرة والخادعة والتي تريد تدمير الحياة البشرية وفق نظرية" البقاء للأقوى " الذي إذا لم تنفذ الدول والشعوب أوامره وقرارته فسيتعرض لها ولمقدساتها بالسوء والإهانة والشر، ظناً منه أن بذلك يجعلها ترضخ وتخضع ، إلا أن ذلك هو وهم لن يحقق له ما يريد ، وسوف نبقى من موقعنا كمسلمين مدافعين عن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخصوص وعن كل مقدساتنا الإسلامية ، لأن التهاون في الدفاع عنها هو عار على المسلمين جميعاً وسيكونون مطالبين يوم القيامة عن هذا التهاون والتقصير في الدفاع عن نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن مقدساتهم.