الثلاثاء, 26 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

دور المسجد عند الإمام (قدس سره)

sample imgage

يروى في سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أول عمل قام به في المدينة بمجرد أن وطأت أرضها قدماه المباركتان هو قيامه ببناء المسجد، وهذا العمل يحمل في طياته دلالات مهمة وعلى رأسها هو أن المسجد منطلق لبناء الذات من النواحي الإيمانية والأخلاقية عبر الكثير من مظاهرالعبادة التي تقام فيه، وهو المحل الصالح أساساً لبناء الشخصية الإسلامية الواعية والمنفتحة على الواقع من خلال الدروس والمواعظ والمحاضرات التي تلقى فيه، ولهذا نجد التشجيع الكبير من الشريعة الغراء على ارتياد المساجد والتواجد فيها والإكثار من التردد إليها، بل ورد في بعض الأحاديث أن أحد الذين يشكون إلى الله أمرهم يوم القيامة هو المسجد المهجور الذي كان معطّلاً من جانب المسلمين حيث لا يهتمون لأمره، ولا يستفيدون منه كما هو المفترض.

 

من هنا نجد أن الإمام الخميني (قدس سره) يعتبر المساجد مدارس بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ويطالب المسلمين بأن يتخذوا منها منابر لإيصال صوت الإسلام إلى كل الناس، فمنه ينطلق الإنسان في صلاته ودعائه إلى خالقه العظيم، وفيه يتلقى أنوار العلم والمعرفة، ومن بين جنباته تنفتح آفاق الهداية أمام هذا المخلوق، ومن على منبره تصدر المواقف التي توضح لأبناء الأمة كل القضايا التي تهم واقعهم ومصيرهم وتتدخل في صميم حياتهم ومسيرتهم.

ومن كلمات الإمام (قدس سره) حول هذا الأمر: (أنتم، من مساجدكم ومن على منابركم يجب أن تدعوا الناس إلى هذه الاجتماعات، فهي التي حفظت الإسلام فأكثروا منها في المساجد وادعوا الناس إلى المساجد وأفهموهم. ..)

ولا شك أن التردد إلى المساجد يأخذ أهمية أكبر ويعطي آثاراً فعالة بنسبة أقوى خلال المواسم العبادية الرئيسة على مدار السنة، وفي هذا المجال نجد أن شهر رمضان هو أهم موسم عبادي سنوي عند الامة المسلمة، فمطالب فيه أكثر من أي وقت آخر بالتواصل مع المساجد لتعيش بركات شهر الله من خلال قداسة بيت الله، وهنا نجد الإمام (قدس سره) يقول (إن هؤلاء الذين يتأمرون ويبعدونكم عن المساجد ومن مراكز التربية والتعليم هم أعداؤكم، إن الشهر المبارك " شهر رمضان " قد اقترب، وفيه يجب أن تربوا أنفسكم بما يعادل عدة شهور، ويجب أن تكون التربية والتعليم في المساجد وفي المحافل العامة)

هنا نرى الإمام (قدس سره) يربط بين شهر الله المبارك وبين المساجد، ويعتبر أن تربية المسلم لنفسه وتهذيبه لها وتعليمه إياها في رحاب هذا الشهر العظيم يجب أن ينطلق أساساً من المساجد لأنها المراكز المؤهلة لذلك والمعدة لإفادة هذه الأمور قبل أي شيء آخر.

ونجد أن دعوة الإمام لارتياد المساجد لا تقتصر على فئة دون غيرها من فئات الشعب، بل يؤكد على ضرورة أن يلتزم المثقفون أيضاً بذلك، لأن كونهم يحملون هذه الصفة لا تجعل لهم ميزة تكون سبباً لعدم ارتيادهم، ويقول في هذا المجال (أيها الناس، أيها المثقفون، أيها الحقوقيون إحفظوا مساجدكم واعمروها حتى تتحقق أهداف الثورة).

كما أن الإمام (قدس سره) يرى بأن المساجد من أفضل الأماكن للنشاط والوعي السياسيين أيضاً، وذلك من الاجتماعات العفوية الحاصلة فيها التي تكون خير وسيلة لإيصال الموقف الشرعي من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتكون الجماهير على تواصل مستمر مع الأحداث وتحدد من خلال ما تسمعه من توضيحات أئمة المساجد المفترض فيهم أن يكونوا واعين لمجريات الاحداث والقضايا.

وبالجملة فإن الفكرة الشمولية للإمام (قدس سره) عن دور المسجد في حياة الأمة تعتبر رائدة ومتقدمة مهمة عن نظرة الآخرين الذين كانوا يحرِّمون أو على الأقل يمنعون من أي نشاط غير ديني بحت في تلك الأماكن التي فرض الله قدسيتها وطهارتها، ولهذا يوصي الإمام الأمة كلها بأن تتخذ المساجد متاريس يتحصنون بها ضد كل أنواع الغزو الفكري والثقافي والإعلامي والاجتماعي ويقول (إتخذوا هذه المساجد متاريس، فمن هذه كان يصدر كل شيء في صدر الإسلام، لقد كان المسجد مركزاً للقضاء والتعبئة للجيوش، فصونوا هذه المساجد صلبة محكمة، لا يقولنّ أحد لك " لماذا نحن بحاجة إلى المسجد ؟ لقد قمنا بالثورة ").

ولأجل هذا نجد في بعض النصوص الواردة عن الإمام (قدس سره) ما يشبه الصرخة التي تطالب المسلمين بحفظ هذا المتراس المتقدم في الدفاع عن كل ما يعنيه هذا الدين العظيم ويقول (هذه المساجد هي متاريس للإسلام، والمحراب مكان الحرب، والمحاريب متاريس للإسلام فاحفظوها).

فالحري بنا ونحن نسمع هذه الكلمات الهادية تنطلق من قلب سليم يريد الخير للأمة كلها، وقدّم لها أعظم إنجاز ديني بعد إنجازات الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) أن نكون حريصين على الاهتداء بنور كلماته الربانية المنطلقة من الإخلاص والوفاء والحب لله ولهذه الأمة العظيمة المعطاء، وأن نستغل فرصة شهر رمضان المبارك ليكون البداية لإعادة الوصل والارتباط بالمساجد، ليكون شهر رمضان ببركاته الإلهية العظيمة وببركات التردد إلى المساجد فيه معطياً للشحنة المعنوية الدافقة والدافعة للمسلمين لتفعيل وازدياد الجهاد والدفاع عن الإسلام العظيم وعن الأمة الملتزمة به.

والحمد لله رب العالمين