الحوار بين الأديان السماوية
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2160
والنبي عيسى (عليه السلام) نحن مأمورون به وبنبوّته وبنبوّة كلّ الأنبياء منذ آدم (عليه السلام) حتّى خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا رفضنا نبوّة نبي واحد فكأنّما رفضنا نبوة الجميع، لأنّ رفض واحدٍ منهم هو تكذيب لله عزّ وجلّ، وتكذيب الله كفر به وانحرافٌ عن صراطه المستقيم، ومن جهةٍ أخرى فالنبوات هي سلسلة مترابطة يكمّل بعضها البعض، فعيسى جاء بشريعة فيها ما ورد على موسى (عليه السلام) ومع زيادة عليها تتناسب مع تطوّر الحياة الفكرية والإجتماعية للبشر، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء بشريعة فيها ما ورد عن عيسى (عليه السلام) مع زيادة عليها بما يتناسب مع ارتقاء الفكر البشري، ويُضاف إلى ذلك أنّ الشريعة الإسلامية هي خاتم الشرائع السماوية، لأنّه بنزولها انقطع الوحي الإلهي عن البشر، لأنّ تسلسل نزول الشرائع وصولا إلى آخرها وهو "الإسلام" قد صار جامعا كاملا وقادرا على استيعاب كلّ التطوّر الفكري للإنسانية.
والله عزّ وجلّ بما أنّه الإله الواحد الذي أرسل كلّ أولئك الأنبياء (عليهم السلام) وزوّدهم بنفس التوجّهات للبشر، لا يحبّ أن يرى أتباع دينه وشريعته متفرّقون ومشتّتون، بل يحبّ لهم أن يكونوا متوافقين متآلفين متحابّين، لأنّ الله أرسل الدين للجمع لا للتفريق، وللتوحيد لا للتشتيت، ولهذا يدعو أتباع كلّ الأديان السماوية إلى الحوار والجدال بالحكمة والموعظة الحسنة، حيث العقل يخاطب العقل، والمنطق يخاطب المنطق، والدليل يخاطب الدليل، وهكذا من أجل الوصول إلى القناعات المشتركة التي تجعل من أتباع الرسالات السماوية صفاً واحداً يفرض شريعة الله في الأرض وينشر أحكام الله على البشر لأنّ فيها كلّ ما يمكن أن تحتاجه البشرية في حاضرها ومستقبلها كما كان في ماضيها.
وبما أنّ الله هو القاسم المشترك بين كلّ أهل الأديان طلب إليهم التقارب من أجل توحيده، ونفي التعدّدية عنه وعدم الشرك به، وعدم إضافة شيء إليه، لأنّ إضافة أيّ شيء خارج عنه لا يليق بمقام الوحدانية وبمقام الربوبية، ولذا كانت هوية الله عزّ وجلّ هي في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {الإخلاص/1} اللَّهُ الصَّمَدُ {الإخلاص/2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {الإخلاص/3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {الإخلاص/4}}، وهذه الهوية هي التي كان من المفروض أن تجتمع عليها كلّ الرسالات السماوية وأتباعها الذين يريد الله لهم الخير.
ولهذا نرى الآية الكريمة تدعو أهل الأديان إلى أن لا يتّخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، لأنّ كلّ شيءٍ عداه مخلوق له سواء أكان نبيا مقرّباً أو رسولاً مسدّداً فليس بين الله وبين أحد ممّن خلق قرابة، بل كلّهم عباد له مكرّمون أعزّهم واختصّهم برسالاته لهداية الناس، لكن البشر أنفسهم هم الذين فرّقوا المؤمنين بالشرائع السماوية، من خلال بعض من يدّعون العلم ويدّعون الحفاظ على الرسالة الإلهية، وهؤلاء قد ذكرهم الله في القرآن وتوعّدهم بالعقاب بسبب تضييعهم للناس وعدم الإعتراف لهم جهلاً أو عمداً عن الصراط المستقيم الذي ينبغي أن يسيروا عليه، فبعضهم نسب أنّ لله ولدا وهذا ما نفاه القرآن جملةً وتفصيلاً حيث قال: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا {مريم/88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا {مريم/89} تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا {مريم/90} أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا {مريم/91} وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا {مريم/92}}.
من هنا نعتبر أنّ وظيفة المسلمين جميعا وهم المؤمنون بنبوّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكلّ أنبياء الله ورسالاته وشرائعه، أن يأخذوا المبادرة من أجل فتح أبواب الحوار الملتزم والجاد مع أهل الأديان السماوية الأخرى كما أمر الله من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وإلقاء الحجّة على كلّ من يحاول أن يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً من خلال التحريف، أو من خلال الإدّعاء لأتباعهم بأنّ أنبياءهم هم الذين أرسلهم الله فقط، ولا يجب الإيمان بنبوة غيرهم.
ولكن إذا لم يصل هذا الحوار إلى الهدف المرتجى كما يريد الله، فيطلب الله من أولئك الذين لا يريدون الإعتراف بالإسلام وبنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يشهدوا بأنّنا المسلمون المؤمنون بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّ الأنبياء الآخرين، وسيكون حساب المنكرين لنبوّته عند الله يوم القيامة، وهو الذي سيتولّى فضح كلّ الإدّعاءات الزائفة والحجج الباطلة التي ضلّلوا بها الناس وأبعدوهم عن الله الواحد الأحد.
والحمد لله ربّ العالمين