الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3259
ومن هنا كان التأكيد على ضرورة أن يقوم كل مسلم بهذا الواجب، وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقتصراً على فئة معينة من الناس، فعلى كل مسلم رأى معروفاً يُترَك أو نهياً يُفعَل عليه أن يبادر إلى القيام بوظيفته تجاه المخالف غير الملتزم، ولو كان القيام بالوظيفة لن يحقق الهدف، وقد ورد في الحديث الشريف (من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
وما من شك أن أهمية هذه الوظيفة تكبر وتتعاظم عندما يعيش المسلمون ضمن مجتمع غير متوازن وغير ملتزم، فهنا تبرز أهمية هذه الوظيفة الإلهية بوضوح أكبر، إذ أن تواجد المسلم في مجتمع مختلط أو في مجتمع بعيد عن جوه وبيئته يجعله عرضة للإنحراف بسبب الكثير من المحرمات والمنكرات والموبقات الموجودة، فيحتاج المسلم بالتالي إلى من يلاحقه دوماً بالتنبيه والإرشاد ومن خلال الأمر والنهي لكي يحمي نفسه من السقوط في مهاوي الفساد والرذيلة، ولذا نجد أن الإسلام قد حرّم على المسلم "التعرّب بعد الهجرة" وهو مصطلح يعني به الإسلام أن المسلم إذا أراد الخروج من بلده الإسلامي إلى بلد آخر غير مسلم وكان هناك خوف على دينه كالإنحراف والضياع أو الإرتداد فيحرم على مثل هذا المسلم مغادرة بلده الإسلامي أو مجتمعه المسلم، وهذا المنع من أوضح تطبيقات وظيفة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ولا شك أيضاً أن القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل مستمر يقوي إيمان المؤمن ويزيده إرتباطاً بدينه لأنه يرى من يشجعونه من خلال تلك الفئة التي تقوم بوظيفتها خير قيام، كما أن التارك للمعروف والفاعل للمنكر عندما يجد من يقوم بوظيفته تجاهه سوف يخجل من نفسه وقد يترك المنكر ويفعل المعروف، ولذا ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (...من أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر قصم ظهر المنافق).
وأكثر ما ينبغي أن تكون هذه الوظيفة متحققة ومنتشرة ومعمولاً بها بين أوساط المسلمين كونهم الأقرب للإمتناع والتفهم لما يطلبه منهم دينهم من الإلتزام بأحكام الإسلام، ولأن القيام بهذه الوظيفة بين أفراد المجتمع المسلم تهدف إلى تحصين هذا المجتمع من الأخطار والمفاسد وشيوع المنكرات، ولذا ورد في قوله تعالى ما يشير إلى ذلك (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وهذه الآية تعني في مضمونها أن يتعاون المسلمون فيما بينهم بتعزيز أمر هذه الفريضة وعدم إهمالها في أوساطهم حتى لا يتسرب الفساد والمنكر إلى مجتمعهم فيما لو تركوا أو أهملوا أو قصَّروا في أداء هذه الفريضة.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على الأفراد، بل يتعدى ذلك إلى الدول والأنظمة والشعوب الإسلامية أيضاً، فإذا كان هناك حاكم مسلم لكن لا يطبق شريعة الله على نفسه ولا يساعد على تقوية الإرتباط بالإسلام في مجتمعه يجب على المسلمين الملتزمين القادرين على أداء هذه الوظيفة أن يقوموا بها في مواجهة الحاكم المنحرف والضال أو حتى المشجع على إشاعة الفساد بين أوساط المسلمين، وهذا ما علمنا إياه الإمام الحسين بن علي عليهما السلام عندما قام بثورته ضد الحاكم الطاغية يزيد بن معاوية بعد أن رفض الإمام الحسين (عليه السلام) مبايعة يزيد على أنه الخليفة الشرعي للمسلمين، وفضح الإمام الحسين (عليه السلام) صفات يزيد على الملأ وقال (ويزيد رجل فاسق فاجر شارب للخمر وقاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله) لأن تلك البيعة كانت ستشكِّل غطاءً للخليفة الفاسق والمنحرف وتضفي على خلافته شرعية لا يستحقها بل ليس مؤهلاً لها أصلاً، ونجد تجسيد وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله :(إني لم أخرج أشراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليَّ أصبر حتى يحكم الله لي والله خير الحاكمين).
حيث اعتبر الإمام الحسين (عليه السلام) أن ثورته هي من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إن تلك الثورة كانت من أبهى تجليات هذه الوظيفة الإلهية العظيمة الشائعة، ولذا ورد في الأحاديث الكثير مما يشير إلى عظمة هذا الواجب الكبير مثل (قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود) أو في حديث آخر (ما أعمال البر كلها، والجهاد في سبيل الله، عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا كنفثةٍ في بحر لجِّي).
ومن هنا نعلم أن ترك القيام بهذا الواجب الإلهي العظيم، سواء في مواجهة الأفراد المنحرفين أو الحكام المنحرفين له مخاطر كبيرة وشديدة التأثير السلبي على مسيرة المسلم كفرد والمسلمين كأمة وشعوب، لأن ضعاف النفوس وقليلي الإيمان سوف لن يجدوا رادعاً يمنعهم من الإنحراف والميل نحو الرذيلة والفساد وارتكاب المنكرات، وحتى أن المؤمن في مثل هذا الجو المنحرف لن يعيش الأمان على نفسه من حيث بقاؤه ملتزماً بخط الله المستقيم، لأن النفس الأمارة بالسوء قد تجره إلى مواقع أولئك المنحرفين الضائعين الذين استولى عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وملأ قلوبهم بحب الدنيا وزينتها وملذاتها وشهواتها، وقد ورد في حديث شريف أن ترك المسلمين القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى تسلُّط الأشرار والمفسدين على زمام الأمور للأمة الإسلامية، وعندئذٍ لن يأمن المسلم على دينه ولا على عرضه ولا على ماله أو ممتلكاته ، وسوف يعيش خائفاً كل دقيقة وكل يوم، وقد ورد في الحديث الشريف: (لتأمرن بالمعروف ولتنهنَّ عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم).
وفي الختام لا بأس من ذكر بعض الإستفتاءات الموجهة إلى سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي "دام ظله" وقائد الأمة الإسلامية لنرى الأجوبة التي أجاب بها ما يطابق الموضوع مورد الكلام.
إستفتاء – 1069 – هل تجوز المبادرة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا استئذان من الحاكم فيما لو توقفت الحيلولة بين المنكر وبين فاعله على ضربه باليد، أو على حبسه والتضييق عليه، أو على التصرف بأمواله ولو بإتلافها عليه؟
الجواب : لهذا الموضوع حالات وموارد مختلفة، وعلى العموم فإن مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا لم تتوقف على التصرف في نفس أو مال فاعل المنكر فلا تحتاج إلى الإذن من أحد، بل إن هذا مما يجب على جميع المكلفين، وأما الموارد التي يتوقف فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مؤنة زائدة على الأمر والنهي اللساني، فإن كان ذلك في بلد يسوده نظام إسلامي وحكم إسلامي مهتم بهذه الفريضة الإسلامية حينئذٍ موكول إلى إذن الحاكم، والى المسؤولين المختصين والى قوات الشرطة المحلية والمحاكم الصالحة.
إستفتاء – 1072 – إذا كان أحد الأرحام يقتحم المعاصي ولا يبالي بها، فما هو التكليف في صلته؟
الجواب: إذا احتمل أن ترك صلته سيدفعه إلى الكف عن المعصية، وجب عليه ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فلا يجوز له قطع الرحم.
إستفتاء – 1074 – إذا كان المعروف متروكاً والمنكر معمولاً به في بعض الأجواء الجامعية، وكانت شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متوفرة، ولكن الآمر والناهي شخص أعزب غير متزوج، فهل يسقط لذلك عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو لا؟
الجواب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما إذا تحقق موضوعهما وشرائطهما تكليف شرعي وواجب إجتماعي وإنساني على عموم المكلفين، ولا مدخلية فيه لحالات المكلف من حيث كونه متزوجاً أو أعزب، ولا يسقط التكليف عنه لمجرد كونه أعزب.
وفقنا الله لأداء هذا التكليف الإلهي العظيم وأعاننا على إشاعته بين المسلمين والمؤمنين والحمد لله رب العالمين.