الأربعاء, 27 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

القدس عنوان التحدّي الدائم

sample imgage

{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}. الإسراء الآية-1

هذه الآية المباركة العابقة بالأجواء الإيمانية والروحية التي تنساب إلى نفس المؤمن من خلال حديثها عن رحلة الإسراء بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، مهد الأنبياء، وموطن الرسالات السماوية، وأرض الطهر والقداسة، وقبلة المسلمين الأولى ومعراج نبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماوات العلى، يُراد لها أن تثير في نفس المؤمن مشاعر الود والحب والإرتباط بذلك المكان المقدّس، وأن تزرع في وعي المسلم وإدراكه الديني والعقائدي والعملي مدى أهمية القدس الشريف والمسجد الأقصى في مسيرة الرسالات السماوية الإلهية على امتداد فترات التاريخ البشري الحافل ببعث الرسل لهداية البشرية وإنقاذها من الضلال والإنحراف.

 

ومن هنا نجد التكريم والتقديس لتلك الأرض المباركة عند كلّ أهل الأديان السماوية، وكلّ جماعةٍ منهم تدّعي أنّ لها الأولوية في أن تدير شؤون تلك المدينة بما تحتويه من المقدسات الدينية والإلهية بشكلٍ عام، فاليهود يدّعون وجود هيكل سليمان وحائط البراق الذي يسمّونه "حائط المبكى" وهما أثران مختصّان بهما.

وبالرجوع إلى مصادر الإسلام الأساسية في القرآن والسُنة نجد الكثير ممّا يدلّ على مكانة القدس الدينية والإيمانية والروحية عند المسلمين بالذات قبل غيرهم.

فقد ورد في القرآن الكريم ما يلي:

{يا قوم أدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، قالوا يا موسى إنّ فيها قوماً جبارين وإنّا لن ندخلها حتّى يخرجوا منها}. {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة و ليتبّروا ما علو تتبيراً}. {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} . ونورد كذلك بعض ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة : عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :(لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا "أي مسجد النبي في المدينة، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" ). عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: (لله ثلاثة أملاك، ملك موكل بالكعبة، وملك موكل بمسجدي، وملك موكل بالمسجد الأقصى، فأمّا الموكل بالكعبة فينادي في كلّ يوم "من ترك فرائض الله خرج من أمان الله" وأمّا الموكل بمسجدي فينادي في كلّ يوم "من ترك سنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرد الحوض ولم تدركه شفاعة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمّا الموكل بالمسجد الأقصى فينادي في كلّ يوم "من طعمته حراماً ما كان عمله مضروباً به وجهه" .

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك :(قلت: يا رسول الله، أيّ مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام، فقلت يا رسول الله، ثمّ أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟، قال أربعون عاماً، ثمّ حيثما أدركت الصلاة فصل فهو لك مسجد).

(قالت ميمونة .. بنت الحارث زوج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس؟ قال: أرض المحشر والمنشر، أتوه فصلوا، فإنّ الصلاة فيه كألف صلاة فيما سواه قالت: يا رسول الله، أرأيت من لم يطق محملاً إليه؟ قال: فليهد له زيتاً يسرج فيه، فمن أهدى إليه شيئاً كان كمن صلى فيه).

عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): (يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي، يُنزل الله له القطر من السماء، ويخرج له الأرض من بركتها، تمتلئ الأرض منه قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس).

وما زاد في قيمة القدس الدينية والروحية كثرة الأنبياء الذين أرسلهم الله وكانت أرض فلسطين ومنها القدس موطناً لهم، ونبدأ بنبي الله إبراهيم(عليه السلام) وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحي وداوود وسليمان وعيسى، ونرى أنّ القرآن الكريم قد ذكر أغلب هؤلاء الأنبياء الذين بلّغوا رسالات الله في فلسطين ضمن آية واحدة في سورة النساء هي: {إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان، وآتينا داود زبوراً، ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل، ورسلاً لم نقصصهم عليك، وكلّم الله موسى تكليماً، رسلاً مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً}.

وانطلاقاً من هذه القيمة الإيمانية والروحية للقدس صارت مقصد لكلّ أتباع الديانات السماوية، والكلّ يريد السيطرة عليها ووضعها تحت وصايته ونتج عن ذلك حروب عديدة كان أبرزها بعد ظهور شمس الإسلام الحروب الصليبية التي دامت قرنين من الزمن وتمكّن خلالها الصليبيون من احتلال المدينة المقدّسة ووضعها تحت إدارتهم لفترةٍ من الزمن، إلاّ أنّ القدس بما ترمز إليه من معاني القداسة عند أبناء الأمة الإسلامية استطاعوا تحريرها من دنس أولئك المحتلّين وطردهم منها ومن كلّ المناطق المحيطة بها وإعادة صورتها الإسلامية الحقيقية.

وقد سعى المسلمون منذ أوائل عهد الإسلام إلى جعل مدينة القدس مميزة فبنوا فيها المساجد والمدارس الدينية وجعلوا لها أوقافاً كثيرة من أجل صرف مواردها على قاصدي بيت المقدس للعبادة والإبتهال إلى الله عزّ وجلّ.

والسبب الذي دعى المسلمين إلى هذا الإعتناء الشديد بالقدس أنّ الإسلام يوجب على المسلمين الإيمان بنبوة كلّ الأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية البشرية من دون فرقٍ بين نبي ونبي، فالإيمان بنبوة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) هو نفس الإيمان بنبوة عيسى وموسى وإبراهيم ونوح وآدم عليهم السلام جميعاً كما قال الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون}، وقد ورد في مصادر الحديث أنّه "ما فيها أي "القدس" موضع بشر إلاّ وقد صلّى فيه نبي أو قام فيه ملك".

وما يزيد في مكانة القدس عند المسلمين أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آمن به من المسلمين الأوائل في مجتمع المدينة كانوا يصلّون إلى القدس الشريف تأكيداً لوحدة الأديان السماوية المنزلة من عند الله عزّ وجلّ، إلاّ أنّ محاولة اليهود التشكيك بنبوة خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله وسلم) ومحاولة إيهام الناس بأنّ محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) هو على دين موسى واليهود كانت من أسباب الأمر الإلهي لرسوله بتحويل قبلته إلى الكعبة الشريفة حرسها الله، وقد أثبت الله ذلك في القرآن الكريم بقوله:{قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}.

وتنبع قداسة المسجد الأقصى من كونه كان المكان الذي صلّى فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إماماً بالأنبياء(عليهم السلام) قبل بدء رحلة معراجه إلى السماوات العلى ولا شكّ أنّ المكان الذي صلّى فيه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مقدّس عند المسلمين إنّه عبارة عن محلٍّ عابق بعطر النبوة ونور الرسالة الإسلامية، فكيف لا يكون مثل ذلك المكان مقدّساً عند أتباع الإسلام ومريديه!؟.

من هذا كلّه يتّفق المسلمون بجميع مذاهبهم وطوائفهم على أنّ القدس ملك للمسلمين ولها في قلوبهم جميعاً منزلة عظيمة لا تضاهيها إلاّ الكعبة ومسجد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولذلك يسمّيها المسلمون "ثالث الحرمين الشريفين" تكريماً لها وتعظيماً لشأنها، ولذا كان المسلمون عندما يذهبون إلى الحج، يعتبرون أنّ زيارتهم للقدس والصلاة في مسجدها الأقصى جزء لا يتجزأ من تلك الرحلة الميمونة المباركة، وهذا كان قبل أن تحتلّ قوات الكيان الغاصب القدس الشريف، ومن ذلك الوقت لم يعد المسلمون القادمون إلى الحج قادرين على الذهاب إليها للصلاة والعبادة.

ومن هنا بدأت مأساة القدس في العصر هذا، حيث عمل العدو الصهيوني على تغيير معالم المدينة المقدّسة، فهدم الكثير من أحيائها ومبانيها الإسلامية التاريخية، وعمل على التنقيب عمّا يسمّونه عندهم ب "هيكل سليمان" الذي يدّعون أنّ المسجد الأقصى قد بناه المسلمون على أنقاضه، لكنّهم لم يعثروا على أيّ أثرٍ يدلّ على دعواهم الكاذبة حتّى الآن، وقد حاول العدو إحراق المسجد وتضرّر قسم كبير منه إلاّ أنّ أبناء القدس المسلمين سارعوا إلى إخماد تلك النار وتمكّنوا من حصر الخسائر وإعادة ترميم المسجد متحدّين في ذلك إرادة العدو الصهيوني الساعي إلى تدميره وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.

لهذا نرى أنّ احتلال القدس من طرف العصابات الصهيونية التي اجتمعت من شتّى دول العالم هو عنوان التحدّي الأكبر للأمّة الإسلامية في هذا الظرف، إنّ هذا الإحتلال البغيض الذي نتج عنه تشرّد شعبنا الفلسطيني من أرضه ليسكن في مخيّمات اللاجئين في الدول العربية هو وصمة عار على جبين الأمة الإسلامية كلّها، ويجب على المسلمين جميعاً-عرب وغير عرب السعي الحثيث والجهد المكثف لتحرير فلسطين من رجز الصهيونية الحاقدة التي فتكت بالعباد واحتلّت الكثير من أراضي الدول العربية المجاورة لفلسطين كما في مصر والأردن وسوريا ولبنان.

ولا شكّ أنّ الذي أعان الإحتلال الصهيوني على احتلال فلسطين هو الدعم الإستعماري المباشر الذي قدّمته إنكلترا "الدولة المنتدبة على فلسطين" والتي سمحت بالهجرة اليهودية المكثّفة إلى فلسطين خصوصاً بعد صدور وعد بلفور المشؤوم بأن تكون فلسطين دولة لليهود في العالم، ومن العوامل الإضافية لتمكين العدو الصهيوني من احتلال فلسطين التضعضع العربي وعدم اجتماع الدول العربية على مواجهة المخطّط الصهيوني الإستعماري لوقوع أكثر تلك الأنظمة تحت تأثير الإستعمار البريطاني والفرنسي في تلك المرحلة من حياة الأمّة العربية.

ولم يكتف الكيان الغاصب بما غصبه من أرض فلسطين بل عمل على شنّ العديد من الحروب ضدّ الدول العربية المحيطة به واستطاع التوسّع إلى مناطق أوسع من أرض فلسطين فاحتلّ سيناء والجولان وقسماً كبيراً من الجنوب اللبناني والبقاع الغربي.

وسعى العدو إلى بناء المستوطنات في أرض الضفة الغربية وغزة والجولان باعتبارها جزء من أراضي دولته الغاصبة وتسبّب ذلك بتهجيرٍ جديدٍ لمئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين نزحوا إلى الدول المجاورة وإلى سائر دول العالم في أوروبا وأمريكا وأستراليا وكانت قمّة المأساة هي محاولة بعض الأنظمة العربية على إقامة الصلح ومعاهدات السلام مع ذلك العدو الغاشم فكانت معاهدة "كامب ديفيد" فاتحة السوء للإعتراف باغتصاب فلسطين مقابل استرداد مصر لصحراء سيناء على أن لا تدخل مصر في أيّ حربٍ ضدّ الكيان الغاصب، وكان من المقرّر أن تلحق بتلك المعاهدة، معاهدات أخرى لولا الحدث العظيم الذي تحقّق في إيران الثورة التي استطاعت أن تقتلع الشاه المقبور وتقيم على أنقاض مملكته...الجمهورية الإسلامية...التي ما إن انتصرت حتّى استبدلت سفارة الكيان الغاصب إلى سفارة فلسطين ليكون ذلك الفعل بداية العد العكسي لمسار الصراع مع ذلك العدو الغاشم الحاقد.

وفي غمرة الحرب الضروس ضدّ الجمهورية الإسلامية جاء حدث الإجتياح الصهيوني للبنان سعياً لتحقيق عددٍ من الأهداف التي دخلت في خانة إنهاء الصراع مع إسرائيل عبر البنية العسكرية والأمنية للمنظمات الفلسطينية، إقامة معاهدة واتفاق مع لبنان وكان ثمرة ذلك هو اتفاق السابع عشر من أيار من عام 1983 الذي فرض على الدولة اللبنانية شروطاً مُخزية يلعب فيها الجيش اللبناني بعتاده المحدود ووفق الإتفاقية دور الشرطي لحماية الحدود الشمالية "لإسرائيل".

إلى هنا كان المخطّط الأميركي الصهيوني يسير وفق البرامج المحدّدة له، إلاّ أنّ ما لم يحسب له العدو حساباً أصلاً هو بروز المقاومة الإسلامية في لبنان التي لم ترضخ للواقع الصعب والمرير وانطلقت في جهادها وقتالها العدو بدون هوادة وبدون كلل، واستطاعت بعد فترةٍ قليلة من الجهاد والتضحية من إجبار "إسرائيل" على الإنسحاب من أغلب الأراضي اللبنانية لتبقى في الشريط المحتل منذ سنة ثمان وسبعين مع إضافاتٍ استدعتها الضرورات الأمنية للعدو، وكان بعد ذلك إسقاط اتفاق السابع عشر من أيار أيضاً الذي كان نتاج الإحتلال وأثراً سيّئاً من آثاره.

ولم تكتف المقاومة الإسلامية بذلك بل أخذت من شعار "تحرير الجنوب والبقاع الغربي من رجس الإحتلال" عنواناً لجهادها ومقاومتها ضدّ ذلك العدو وقدمت التضحيات الكثيرة من الشهداء والجرحى والمعوقين والأسرى وعوائل الشهداء وأيتامهم، مع ما تحمّل شعبنا المجاهد المضحّي من القتل والدمار والتهجير عبر الحملات المسعورة التي قام بها العدو ولوقف اندفاع المقاومة، إلا أنّ ذلك الإجرام مع ما رافقه من المجازر المروّعة كمجزرة قانا وغيرها لم تستطع النيل من عزيمة المقاومة وشعبها، واستمرّت العمليات ضدّ العدو وزادت خسائره في حرب استنزاف طويلة حتّى وصل العدو إلى المرحلة التي لم يعد قادر أخيراً على الإستمرار في احتلال الأرض بسبب الكلفة الباهظة في الأرواح والإمكانيات وقرّرت قيادات العدو السياسية والعسكرية الإنسحاب من أرضنا أذلاّء منهزمين منكسرين وسقطت مع انسحابها كلّ الأهداف التي كانوا يأملون تحقيقها.

وكان يوم الخامس والعشرون من شهر أيار من سنة ألفين يوماً مشهوداً وتاريخياً حمل معه النصر الإلهي المؤزّر على العدو الصهيوني، وكان ذلك اليوم يوماً عظيماً أدخل الفرحة والبهجة والسرور إلى قلوب آباء وأمهات الشهداء وأبنائهم وإلى قلوب الجرحى والأسرى، وشفى الله غليل المؤمنين من أبناء شعبنا الذي تحمّل الكثير من الآلام والإبتلاءات من اعتداءات العدو قبل الإجتياح، وصدق قول الله تعالى :{قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}.

وفي اليوم الخامس والعشرين تحوّل الحلم بتحرير الجنوب والبقاع الغربي والأمل كبير بتحرير مزارع شبعا المحتلّة إلى حقيقة ملموسة وعادت الناس إلى مدنها وقراها في الشريط مرفوعة الرأس عزيزة كريمة يملؤها الفخر والزهو بذلك الإنتصار المظفّر على العدو والذي كان يفتخر بأنّ جيشه من أقوى جيوش العالم، وهو هزم الجيوش العربية في أغلب الحروب التي خاضها ضدّهم، فإذا به ينهزم أمام جماعة قليلة العدد والعدّة لكنّها أقوى من العدو بإرادتها وإيمانها وتصميمها وثباتها على استرداد حقّها بعزّة وشرف وكرامة.

لكنّ الإنتصار الذي تحقّق مع العدو في لبنان ليس نهاية الطريق بل هو خطوة لتحرير القدس وكلّ فلسطين لأنّها أرض إسلامية ويجب على كلّ المسلمين أن يهبّوا للجهاد في سبيل تحريرها من دنس الإحتلال وطرد العدو الغازي المغتصب منها.

من هنا كان لا بدّ من رفع شعار "تحرير القدس" لأنّه العنوان الأكثر قدرة على إثارة مشاعر المسلمين في كلّ العالم وعلى رأسهم شعبنا الفلسطيني المسلم الذي أخذ من انتصار المقاومة في لبنان شعاراً له، وانطلق في انتفاضته الجديدة "انتفاضة الأقصى المباركة" التي دفع شعبنا الفلسطيني الكثير من الشهداء والجرحى والمعوقين مع ما رافق ذلك من دمارٍ في الممتلكات والمزروعات من خلال استعمال العدو لكلّ أسلحة القتل والدمار الموجود لديه ولم يستطع إيقاف تلك الإنتفاضة التي تزداد اشتعالاً وقوّة وتقدّما في استعمال أساليب القتال المختلفة متأثّرين في ذلك بإخوانهم أبناء المقاومة الإسلامية في لبنان.

وقد أحدثت الإنتفاضة المباركة للشعب الفلسطيني في الداخل إرباكاً كبيراً للعدو وأفقدته الأمن الذي يبحث عنه ويعتبره الضمانة لهجرة اليهود من كلّ دول العالم إلى فلسطين المحتلة ليسكنوها بدلاً من شعبها الأصيل العربي المسلم، وهذا ما أدّى في السنتين الأخيرتين إلى انخفاض الهجرة إلى فلسطين بنسبةٍ كبيرة وبدأت هجرة معاكسة من فلسطين إلى خارجها من جانب اليهود.

لذلك كلّه فإنّ شعار "تحرير القدس" هو شعار الأمّة الإسلامية كلّها بكلّ شعوبها وأماكن تواجدهم، وليس هناك عذر لأيّ مسلم في التقاعس عن نصرة القدس والشعب الفلسطيني المسلم، ومن الضروري أن لا يعطى الكيان الغاصب الفرصة ليرتاح ويطمئنّ لأنّه بذلك يستطيع أن يقوّي ويعمّق جذوره في تلك الأرض المباركة.

إنّ المسلمين مدعوون اليوم جميعاً إلى الوحدة والتكاتف والتضامن تحت شعار: {وإنّ هذه أمّتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}، وتحت الشعار القرآني الآخر:{ وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم}.

لهذا كلّه، فإنّ الصراع مع الكيان الغاصب لم ولن يتوقف حتّى يتحقّق الوعد الإلهي بدخول المسلمين المسجد الأقصى وإخراج اليهود الغاصبين منه، لتعود فلسطين إسلامية الأرض والشعب والتاريخ ولتعود البسمة إلى شفاه كلّ المسلمين المشتاقين لتحرير قبلتهم الأولى من الرجس والإحتلال البغيض، وذلك اليوم لم يعد بعيداً بعد الصحوة الإسلامية العالمية التي بدأت تحقّق الإنجازات الكبيرة على مستوى تقدّم الأمّة نحو أهدافها الكبرى في التحرير من سيطرة القوى الإستكبارية وامتلاك زمام أمورها بأيدي أبنائها البررة المؤتمنين على حاضر الأمّة ومستقبلها.