نظرة الإمام "قده" إلى التعبئة
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1822
والإسلام من منطلق كونه ديناً يستتبع إقامة نظامٍ إجتماعي تتبنّاه الدولة التي تطبّق أحكامه وموازينه وتنظيم علاقاته أمر أتباعه بضرورة الإهتمام بهذا الموضوع الحيوي بإعطائه الأولوية في حالات الضرورة لأنّه يريد من المؤمنين به أن يكونوا قادرين على الدفاع عن مفاهيمه وطريقته للحياة.
وهذه الوظيفة المقدّسة لا يقتصر القيام بها على القوى المسلّحة المتعارفة عند الدول باسم "الجيوش" المنوط بها القيام بهذه الأعباء، بل هي وظيفة كلّ قادرٍ على القتال والجهاد، لأنّ المجتمع الإسلامي مجتمع عقائدي هادف وهو مترابط ومتكامل مع بعضه البعض، وهو مسؤولٌ بوصفه المجموعي عن الدفاع عن الدولة والشعب والنظام، ولا يُستثنى من هذا الأمر إلاّ العجزة والأطفال والنساء الذين أسقط الله التكليف عنهم لأنّهم غير قادرين على القيام بأعباء هذه المهمة، وإن كان يمكن الإستفادة منهم في توفير الحاجات التي يتطلّبها الدفاع ضدّ العدو في المجالات الأخرى، أو حتّى في حالات الدفاع عند الضرورة الملحّة.
من هنا فالإسلام يدعو إلى ضرورة التعبئة العسكرية والجهادية العامّة، ولكن لا بمعنى أن يحمل كلّ واحدٍ السلاح ويقف في الخطوط الأمامية لجبهات القتال مع العدو، وإنّما بمعنى أن يعمل كلّ فردٍ على إعداد نفسه بدنياً وعسكرياً وقتالياً طبقاً للآية الكريمة التي تأمر المسلمين بذلك وهي قوله تعالى: { وأعِدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ةمن رباط الخيل تُرهِبون به عدوّ الله وعدوَّكم}.
وهذا المعنى هو ما أسماه الإمام الخميني "قده" بــ "التعبئة العامّة للمستضعفين" ويقول بهذا الخصوص: ( يجب أن يكون الوطن الإسلامي عسكرياً ويملك توجيهات عسكرية، كلّ مكانٍ في الوطن يجب أن يعيش هذه الحالة، فالوطن الذي فيه عشرون مليون شاب يجب أن يكون عنده عشرون مليون بندقية، عشرون مليون مسلّح).
ثمّ لا يقصر الإمام "قده" التعبئة العامة على الشعب الإيراني المسلم، بل يرى أنّ كلّ الشعوب الإسلامية والمستضعفة في العالم أيضاً عليها أن تقوم بهذا الإعداد العام وجعل كلّ القادرين على القتال في صفوف التعبئة لمواجهة الخطر الإستكباري ويقول "قده" :( إنّني آمل أن تكون هذه التعبئة الإسلامية العامة نموذجاً لجميع مستضعفي العالم وشعوب المسلمين..).
ويرى الإمام "قده" أنّ هدف هذه التعبئة هو تخليص الشعوب من سيطرة قوى الكفر والإستكبار، ولهذا فهو يوجّه خطابه التحريضي والثوري إلى جميع مستضعفي العالم بأن ينهضوا ويثوروا ليحقّقوا لأنفسهم الحرية واستقلالية القرار ويقول: ( إنهضوا يا مستضعفي العالم، وخلّصوا أنفسكم من براثن الظالمين المجرمين، واستيقظوا أيّها المسلمون الغيارى في أقطار العالم من غفلتكم وحرّروا الإسلام والبلدان الإسلامية من يد المستعمرين وأذنابهم..).
ومن أجل هذه الأهداف الكبرى المنوطة بقوات التعبئة، نرى أنّ الإمام "قده" يمتدح هذه القوات بأوصافٍ جليلة ومهمّة ويقول: ( التعبئة شجرة طيبة وقوية مليئة بالثمر، يفوح من براعمها أريج ربيع الوصل وطراوة اليقين وحديث العشق الإلهي، التعبئة مدرسة العشق الإلهي، ...التعبئة ميقات الحفاة، ومعراج الفكر الإسلامي الطاهر،... التعبئة جند الله المخلصون الذي وقَّع في دفتر تشريفاتهم كلّ المجاهدين من الأوّلين والآخرين).
بل نرى أنّ الإمام "قده" يفتخر هو نفسه بأنّه فردٌ من أفراد التعبئة نظراً للدور الجليل والمهمّة العظيمة المنوطة بها وهي الدفاع عن حرية الدولة والشعب الإسلاميين ويقول :( وأنا أغبط التعبئة دائماً على خلوصهم وصفائهم وأرجو من الله أن يحشرني مع "تعبئتي" لأنّني أفتخر بأنّي أنا نفسي في هذه الدنيا من "التعبئة").
وعليه فلا مجال عند الإمام "قده" أمام كلّ فئات الشعب إلاّ أن تلتحق بركب التعبئة لتعيش روحية الجهاد والعطاء باستمرار ولتكون مستعدة للجهاد والقتال والدفاع عند حصول الحالات التي تستوجب نهوض الأمّة وقيامها لمواجهة حالات الخطر التي يفرضها الأعداء الذين لا يريدون للأمّة الإسلامية وشعوبها أن تعيش حياتها بحرية وأن تستفيد من إمكاناتها الكبيرة لصالح حاضرها ومستقبلها.
نسأل الله العلي القدير أن يعيننا على الوصول إلى المرتبة التي يقبلنا فيها أن نكون من أفراد هذه التعبئة التي قامت في كلّ مكانٍ في إيران ولبنان بأعمال تفوق حدّ الوصف و كان لها صداها المدوّي وتأثيرها الكبير على مسيرة الإسلام المظفّرة في هذا الظرف العصيب الذي تعيشه الأمّة.
والحمد لله ربّ العالمين.