الأربعاء, 27 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الإمداد الغيبي عند الإمام "قده"

sample imgage

من الواضح جداً أنّ إلقاء الإنسان المسؤولية على الله وحده في إنجاز ما هو مطلوبٌ منه أمرٌ مخالف للإسلام، وكذلك الركون إلى المقاييس المادية البحتة، والإحتكام إليها مجرّدةً أمرٌ غير مرغوب فيه، فالمسألة إذن هي بين الله والإنسان بمعنى أن يقوم هذا العبد المخلوق من جانبه بتهيئة كلّ الإستعدادات وتوفير كلّ الإمكانيات المتوافرة لديه وفق القدرة، ثمّ يتّكل على الله طالباً منه المد والعون، تماماً كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك الرجل الذي ترك ناقته :(إعقِلْها وتوكّل).

 

فالإمام "قده" قد أعطى هذه المسألة مساحة مهمة من فكره وقلبه وإيمانه واعتبرها ركناً أساسياً في المسيرة الجهادية للمسلمين، حتّى أنّه يعتبر أنّ الحاكمية في الدولة الإسلامية هي القدرة الإلهية الغيبية بالنسبة إلينا التي تحمي تلك الثورة من الأخطار التي تحيط بها ويقول في هذا المجال: ( إنّ الذي يحكم في إيران اليوم قدرة إلهية ـ إنتبهوا إلى أنّ هذه القدرة ليست بشرية- فأن يتحوّل وطنٌ مثلاً دفعةً واحدة ليس شيئاً ممّا يستطيع البشر أن يحقّقوه،... فهذه القدرة قدرة إلهية، إنّها قدرة الله، والبشر ليسوا شيئاً يستطيع أن يواجه هذه القدرة لله.).

ويعطي مثلاً على ذلك هو فشل الغزو الأمريكي أيام كارتر من أجل تحرير موظفي السفارة الأمريكية الجواسيس ويقول "قده" :(أولئك الذين لا يهتمّون بالمعنويات ألا ينتبهون من سباتهم، ألا يؤمنون بهذا الغيب، هلاّ يستيقظون! من الذي أسقط هليكوبترات السيد كارتر التي أرادت غزو إيران؟ أنحن الذين أسقطناها؟ الرمال هي التي أسقطتها، لقد كانت الرمال مأمورة من الله، وكانت الريح مأمورة من الله، ليجرّبوا ثانية).

ولا شكّ أنّ هذه القاطعية من الإمام "قده" بالمدد الإلهي الغيبي كان لها دورٌ كبير في كلّ مراحل الثورة ما قبل الإنتصار وبعده، وهذا مرجعه إلى اليقين التام عند ذلك العبد الصالح المطيع لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الإنسان عندما يتوجّه إلى الله بعمله وجهاده ووقوفه في وجه الظلم والظالمين، فإنّ الله لن يتركه فريسةً لأولئك الأعداء للخط الإلهي، بل سيحميه ويأخذ بيده ويعينه من حيث لا يحتسب، لأنّ الله سبحانه قد قال في كتابه :{ إنْ تنصروا الله ينصركم ويثبِّت أقدامكم}، وكثير غيرها من الآيات التي تحمل نفس المعنى.

إلاّ أنّ للمدد الغيبي شرطاً أساسياً وهو أن يعيش المؤمن الثقة المطلقة بأنّ الله لن يخذله وسينصره حتماً إن هو أعطى كلّ ما عنده، وهذه الثقة لا بدّ منها ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عنها لحظة، أو أن يشكّ في المدد الغيبي الإلهي مهما تراكمت الصعاب وكثرت الإبتلاءات، إذ لعلّ كلّ ذلك هو المقدمة للنصر والتأييد الإلهيين وهذا ما نجده عند الإمام "قده" حيث يقول :( إنّ مع هذه الأمّة حماية غيبية، فأنتم بالحماية الغيبية تسيرون قُدماً، وإلاّ فأنتم بأنفسكم لا تملكون الإمكانات لذلك)، ويستشهد على ذلك بانتصار الثورة الذي تحقّق بمجرّد أن ثار الشعب المسلم في إيران وردّد شعار "الله أكبر" وبسلاح الإيمان ويقول: (إنّ الذي كان بيد أمّتنا إنّما هو "الله أكبر" وهو الإيمان ... وهو الذي دفعكم إلى الأمام)، ويقول أيضاً : (... إنّ هذه الروحية التي ظهرت عند أمّتنا إنّما كانت مسألة غيبية ظهر بواسطتها هذا التحوّل الروحي في مدّة غير قصيرة ).

وبهذا كلّه يؤكّد الإمام "قده" أنّ النصر والغلبة هي للمرتبطين بالله عزّ وجلّ طالما أنّهم يقومون من جهتهم بكلّ ما هم مكلّفون به، والصبر على الشدائد والمحن التي قد يكون الصبر عليها شرطاً من شروط المدد الإلهي أيضاً، ولهذا يقول: ( وليطمئنوا إلى أنّه في ظلّ الصبر والمقاومة وتنفيذ الأحكام الإسلامية يكون النصر والظفر للأمّة ... {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}).

أليست تلك الروح المطمئنّة والنفس الواثقة التي كانت لدى إمامنا العظيم هي التي دفعته إلى الثورة؟ أوَليست هي التي انتقلت منه إلى كلّ أبناء الشعب المسلم في إيران، ومنه "قده" إلى كلّ أفراد هذه الأمّة المنتفضة اليوم؟ ألسنا اليوم في واقع حركتنا نعمل منطلقين من الثقة بأنّ الله لن يتركنا طالما نحن معه نجاهد في سبيله ونقاتل؟ لقد كنّا نقرأ القرآن قبل مرحلة الإمام الخميني "قده" وكنّا نقرأ الإبتلاءات والضغوطات التي قام بها الأعداء زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ضدّ دعوته الإلهية، ومع هذا كلّه كنّا نعيش اليأس والإحباط، فإذا بهذا العبد الصالح باليقين المودَع في قلبه يحوِّل أمّةً بكاملها إلى أمّةٍ مؤمنة بالمدد الغيبي، فتنطلق وتثور وتحقّق المعجزات الكبيرة في الفترة الزمنية القصيرة التي تعجَّب منها الأقربون قبل غيرهم، ولهذا نرى الإمام "قده" وفي خضم مجريات ثورة الشعب المسلم في إيران ضدّ الشاه، وبينما الشهداء يسقطون بالعشرات والمئات والألوف يبشّر الشعب بقرب الفرج وتذَوُّق حلاوة النصر ويقول :(إنّني أبشّركم جميعاً بالنصر، أنتم وأخوتكم الذين يعيشون داخل الوطن تحت وطأة الحكم البوليسي وفي أقبية السجون والذين يعانون البؤس والحرمان والظلم...)، فيعطي نور الأمل والحياة من قلب الحدث المأساوي الذي يُراد له أن يقتل الإنسان إرادياً فيسقط، ولا يعود على ثقة من القناعات الإيمانية ويرضخ للقناعات المادية المزيّفة ويخسر بالتالي كلّ شيء.

ونحن اليوم أليس الذي يحرّكنا اليوم في لبنان كمقاومةٍ للإحتلال، ومعارضةٍ للسلطة، والوصول إلى المقام المعنوي الكبير عند الأمّة الإسلامية هو ذلك المدد الغيبي؟ فأين سلاحنا المادي؟ وأين إمكاناتنا التسليحية الضخمة من الدبابات والطائرات والصواريخ؟ إنّ سلاحنا الأساس والأقوى هو إستنادنا إلى ذلك المدد الإلهي الغيبي الذي زرعه فينا قناعةً وإيماناً ثابتاً ويقيناً غيرَ متزلزل الإمام الخميني "قده" الذي رأينا فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وكلّ الجيل الأول الذي عاصر الإسلام في بداياته وانتصر بقيادة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في بدر وهم القلّة على قريش وهي الكثرة بالمدد الغيبي والعون الإلهي الذي يجعل من القلة قوّةً لا تُقهر في مقابل أعتى القوى العسكرية والتسليحية في العالم.

والحمد لله ربّ العالمين.