الخميس, 28 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

المقام السامي للمرأة في القرآن

sample imgage

قال الله تعالى في محكم كتابه: {ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيرا}.

تتحدّث هذه الآية الكريمة عن الثواب الإلهي وهو عبارة عن "دخول الجنة" والتنعّم بما فيها من الخيرات التي أعدّها الله للمؤمنين من عباده رجالاً كانوا أم نساءاً.

ولا شكّ أنّ عمل الصالحات محتاجٌ إلى إدراكها وفهم أبعادها الدنيوية والأخروية، لأنّ هذا الفهم عاملٌ من عوامل الإنجذاب والإنشداد نحو فعل مثل هذه الأعمال التي تشكّل الرصيد الأساس للرّقي الإنساني من جهة ولرفعة الدرجات في الآخرة من جهة المقام المعنوي المطابق للجهد الصالح المبذول في الدنيا.

 

ومعنى كلّ هذا أنّ الإسلام يتعاطى مع المرأة على أنّها مخلوقٌ إنساني كامل الإستعدادات واللياقات الإيمانية والروحية للتسامي والإرتقاء، وتحمّل كامل القدرات العقلية والكفاءات العملية للسعي نحو الأهداف الإلهية على المستوى الفردي والإجتماعي معاً، وهذا ما تشير إليه مجموعة من الآيات القرآنية التي يمكن اعتبارها مكمِّلة أو شارحة ومفسّرة لإجمال الآية المتصدّرة هنا، ومن هذه الآيات قوله تعالى: {إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً}.

إنّ هذا النص يوضح بما لا مزيد عليه أنّ المجتمع الإنساني لا يمكن أن يعيش التكامل المحقّق لغايات الوجود إلاّ إذا كان الطرفان الأساسيان "الرجل والمرأة" متناسبين من الجهات الروحية والإنسانية ليستطيع كلّ منهما من موقعه ودوره أن يعطي المجتمع ما يساعده على بلوغ مرحلة النضج والوعي العملي، فالإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والتصدّق والصوم وحفظ الفروج وذكر الله، كلّها مواصفات تتشبّع بها أرواح الرجال والنساء على حدٍّ سواء، لأنّ المطلوب هو تنمية هذه القدرات الإنسانية التي يمكن أن تكون خير معينٍ للمرأة على الأدوار الرسالية والإجتماعية والتربوية والروحية في نفوس أبناء المجتمع، وتكون رافداً مهمّاً للرجل الذي يقوم بدوره أيضاً في هذا المجال، وبالجملة فالجوّ القرآني يؤكّد على أنّ المساواة حاصلة في الجانب الإنساني وليست المرأة دون الرجل رتبة من هذه الجهة، وتؤكّد الآية التالية هذا المعنى فتقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله... وَعد الله المؤمنين والمؤمنات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار...}.

إذن هذا الجوّ القرآني الذي يحمل الصورة الأكثر إشراقاً للمجتمع الإنساني لا يتشكّل إلاّ من التكامل الحقيقي للمواقع والأدوار بين الرجل والمرأة، فيلعب كلّ طرفٍ منهما دوراً في عمليات التربية والتعليم للأجيال، وفي ممارسة التقرّب إلى الله بالطاعات والأعمال الصالحات، وفي القيام بأعباء التكليف الإلهي المقدّس "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" كلٌّ في مجاله الأسروي والإجتماعي وغير ذلك، وهذا ما يمكن أن يؤدّي إلى تحصين المجتمع والإرتقاء به إلى الحالة التي يصوّرها القرآن الكريم وهي حالة "المجتمع الإنساني العابد" بكلّ ما تضجّ به الحياة الإجتماعية من حركةٍ وجهدٍ ونشاط.

وبهذه النظرة الإنسانية المتسامية للمرأة وفق التصوّر الإسلامي يختلف معتقدنا عن معتقدات الآخرين الذين ما زالوا يتعاملون مع المرأة من مواقع الإثارة والشهوة والمتعة واللذة ويريدون لهذا التصوّر الخاطىء والذي فيه إهانة وتحقير وحطّ من الموقع الإنساني والرسالي أن يكون النموذج العام للمرأة اللاهثة وراء المتع الزائلة الرخيصة التي تشبع بها غرائز الرجل وشهواته على حساب وجودها وكرامتها وحقوقها الإنسانية، وأكبر ما يشير إلى هذا التوجّه الشيطاني عن المرأة ودورها هو ما تقوم به اليوم بعض الدول، وعلى رأسها فرنسا من فرض السفور على الفتيات المسلمات لإدخالهنّ في المدارس وتحصيل حقّهنّ في الثقافة، إنّ هذا مؤشّرٌ واضحٌ وخطيرٌ على المقام المتدنّي وفق نظرات الآخرين لحرية المرأة التي تخالف الشريعة الإسلامية الإلهية الهادفة إلى حفظ الموقع الإنساني للمرأة وعدم الإنزلاق إلى منازل الهتك والسفور لما في كلّ ذلك من الأخطار الواضحة على المرأة بالخصوص والمجتمع الإنساني بالعموم.

والحمد لله ربّ العالمين