الثلاثاء, 26 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الحرب والسلم - إرادةٌ وقرار-

sample imgage

إنّ قرار الحرب لا يحتاج إلى الإرادة والقوّة المعنويّة بل يتوقّف على امتلاك فردٍ أو جهةٍ أو دولةٍ ما أسباب القوّة الماديّة لتعلن شنّ الحرب، بينما قرار السلم يحتاج إلى الإرادة والقوّة المعنويّة، لأنّ اتخاذ مثل هذا القرار الذي يشتمل على تحقيق الأمن والإطمئنان وعيش الإنسان بحريّة وكرامة وعزّة يحتاج ممّن يمتلك القوّة الماديّة إلى امتلاك الإرادة الصّلبة التي تجعله قادراً على اتخاذ هذا القرار في مواجهة الحالات الصعبة أو الطارئة التي قد يسعى بعض الأفراد أو تعمل بعض الجهات للقيام بعملٍ طائشٍ أو متسرّعٍ لتسوّغ لمن يمتلك الإمكانات الماديّة والعسكريّة على أخذ قرار شنّ الحرب بسبب ذلك.

 

ولهذا رأينا عبر التاريخ الطويل للإنسانيّة أنّ أكثر الأمم التي كانت تمتلك القوّة العسكريّة المجرّدة بنسبةٍ عاليةٍ جداً كانت تأخذ قرار الحرب ضد الآخرين من الأمم والشعوب مع وجود المبرّر لذلك وأحياناً كثيرة من دون سببٍ أو مبرّر يجوّز لتلك الدولة القويّة إعلان الحرب، وقد عانت أجيال الإنسانيّة الكثير من جرّاء ذلك ودفعت ثمناً كبيراً جداً من الأرواح والممتلكات والدمار الرهيب الذي لم يخلُ منه أيّ عصر منذ فجر الإنسانيّة حتّى اليوم.

نسوق هذا الكلام بعد بدء الحرب الأمريكية ومن ساندها في إعلان الحرب على "الإرهاب" بزعمهم، وبدأوا بشنّ الغارات الوحشيّة ضدّ الشعب الأفغاني المسلم التي أدّت حتّى الآن إلى سقوط مئات الضحايا ومثلهم من الجرحى على الأقل، مع الدمار الهائل في مدن ذلك البلد الذي أصبح مدمّراً بنسبةٍ كبيرة بسبب الإحتلال السوفياتي أولاً، ثمّ عبر الحرب الأهليّة بين الفصائل الأفغانيّة بعد رحيل السوفيات، وتأتي الحرب المعلنة ضدّه الآن لتقضي على ما تبقّى من حياةٍ في ذلك البلد البائس وأهله الفقراء والمستضعفين في آنٍ معاً.

ومع إدراك الجميع أنّ الإنفجارات الضّخمة التي هزّت أمريكا ونتج عنها إنهيار مبنيي التجارة العالميّة كانت ضربةً قويّة وموجعة بل مُفجعة للأمريكيين وشكّلت صدمةً لكلّ شعوب العالم، لأنّ الناتج عنها كان قتل الآلاف من الأبرياء من دون سببٍ ظاهرٍ أو مبرّرٍ واضح، ولا هدف له سوى القتل والتّدمير وزرع الرعب في العالم من الأعمال الإرهابيّة التي تدخل ضمن نطاق الحرب على الإنسانيّة كلّها، وليس على الشعب الأمريكي وحده، لأنّ الإرهاب المجرّد عن الأهداف أو حتّى لو كانت له أهداف شريفة لا تبرّر مثل هذه الأعمال الإجراميّة التي لا تعود على مُفتعلها بشيء، بل قد تعود عليه بالضّرر والأذى لأنّه يسلك سبيلاً غير مقبولٍ في الوصول إلى الهدف النبيل لو فرضنا أنّه يعمل من أجل الوصول إلى هدفٍ كهذا، والإسلام لا يعترف بأنّ مثل هذه الأعمال داخلةٌ ضمن نطاق الجهاد المشروع، بل يصنّفها على أنّها أعمالٌ مرفوضةٌ ومُدانة خصوصاً إذا كانت موجّهة ضدّ أناسٍ أبرياء لا دخل لهم في سياسة الدولة التي ينتمون إليها.

من هنا نقول إنّ القيادة الأمريكية التي تُدير أمور أكثر الدول قوّة في العالم، كان يمكن أن لا تتسرّع في اتخاذ قرار الحرب، خصوصاً مع عدم وضوح مسؤوليّة من أُعلنت الحرب ضدّهم، وأن تعمل مع باقي دول العالم على البحث عن الأسباب التي أدّت إلى تلك الجريمة الفاجعة وتعالجها وتعمل على إزالة المبرّرات لمثل هذا العمل في المستقبل، إلاّ أنّها بدلاً من ذلك إستندت إلى قوّتها الضاربة في البحر والجو وجنّدت معها الكثير من الدول وأعلنت حرباً نتج عنها إرهاباً لا يقلّ بشاعةً وإجراماً عن الإرهاب الذي ضرب الهيبة الأمريكية في عقر دارها.

وهذا التسرّع في إعلان الحرب لن يمنع وقوع أعمالٍ إرهابيّة في المستقبل. إنّ أمريكا بعدوانها الواضح على الشعب الأفغاني تعطي المبرّر الكافي لقيام جهةٍ ما للقيام بأعمالٍ مماثلة تزيد من المخاوف في سائر أنحاء العالم وتدبّ الفوضى ويمثل أمن الشعوب، مع أنّه كان بالإمكان تجنّب كلّ ذلك عبر أخذ قرارٍ عقلاني وحكيمٍ وغير متسرّع من خلال دعوة قادة دول العالم كلّه إلى عقد الإجتماعات والمناقشات للوصول إلى قواسم مشتركة بين كلّ الدول تضع تعريفاً واضحاً للإرهاب المنبوذ والهادف إلى إشاعة الخوف في العالم كلّه، ثمّ التمييز بينه وبين الجهاد المشروع في الدفاع عن النّفس والوطن ضدّ الأعداء أو المغتصبين في العالم أيضاً، وليس كما نرى الآن حيث أنّ أمريكا لم تعد ترى فارقاً بين الدفاع المشروع عن النّفس وبين الإرهاب المرفوض، وتضع الجميع في سلّةٍ واحدة وفقاً للموازين المطابقة لمبدأ سيطرتها وهيمنتها على العالم، بحيث أنّ من يؤيّد السياسة الأمريكيّة فهو ليس إرهابياً كائناً من كان، ومن يعارض السياسة الأمريكيّة فهو إرهابي كائناً من كان أيضاً.

إنّ هذا التّصنيف الأمريكي للدول والشعوب لا يخدم قضيّة السلام في العالم، ولا يحلّ النّزاعات الإقليميّة والدوليّة، بل يعمل على تعقيدها ويجعلها أكثر صعوبةً في البحث عن الحلّ الصحيح والمقبول لدى الجميع.

وهذا التّصنيف هو الذي يعطي كما أعطى فعلاً الذريعة للدولة الغاصبة في فلسطين المحتلّة لتزيد من إجرامها الوحشي ضدّ شعبنا الفلسطيني بكلّ فئاته في الضفّة الغربيّة وغزّة، ذلك الإجرام الذي يتمثّل بالقتل وسفك الدماء للأبرياء من المواطنين العزّل وتدمير البيوت والممتلكات وتجريف الأرض المزروعة وتخريب البنى التحتيّة التي تؤمّن الحد الأدنى من الخدمات للشعب الفلسطيني المظلوم.

من هنا إنّ القوّة التي تمتلكها أمريكا ومن معها من الدول الكبرى في العالم عليها أن تأخذ القرارات الجريئة لنشر السلم والأمن في العالم من خلال استعمال القوّة ضدّ المعتدين والمغتصبين، وخصوصاً ضدّ الكيان الصهيوني الغاصب الذي تشكّل المساندة الأمريكيّة له مساندةً كليّة سبباً من أسباب كره العرب والمسلمين للقوّة الأمريكيّة الغاشمة المجرّدة عن الإيمان بقضايا الحقّ والعدل الدوليين.

لهذا من واجب الدول العربيّة والإسلاميّة أن تأخذ زمام المبادرة وتدعو إلى اجتماعٍ لقياداتها لاتخاذ موقفٍ موحّد، وأن تدعو كلّ دول العالم الفقير والمستضعف للوقوف إلى جانبهم، لعلّ ذلك يوقف الغطرسة الأمريكيّة الإستكباريّة، ويجعلها تعلم أنّ سياساتها وحروبها بهذا الأسلوب الذي تتبعه لن يزيدها إلاّ انعزالاً عن العالم، وكرهاً من الشعوب لاستعمالها القوّة في غير موضعها الصّحيح، بدلاً من إستعمالها في نشر الأمن والسلم في العالم حتى يعيش الإنسان بحريّةٍ وعزةٍ وكرامة.

وتزداد الحجّة إلى مثل هذا العمل خصوصاً عندما نرى أنّ اللائحة الأمريكيّة للإرهاب وفق تصنيفها تضمّ الكثير من الدول العربيّة والإسلاميّة وتضمّ أسماء إسلاميّة من أكثريّة هذه الدول ومنظمات إسلاميّة وجمعيّات كذلك.

ومن الضروري جداً لأمريكا أن تفهم أنّها عبر هذا التصنيف الذي لا يشمل إلاّ عرباً ومسلمين سوف تزيد من حالة العداء لها، لأنّها بذلك تضعهم جميعاً في خانة الأعداء، وهذا ما قد يدفع بالبعض من المسلمين إلى القيام بأعمالٍ ضدّ المصالح الأمريكيّة في العالم أجمع، بينما لو استعملت أمريكا الموازين الصّحيحة للتفريق بين الإرهاب وغيره ووضعت الأمور في نصابها الصحيح، فتسمّي من يقتل ويدمّر ليوطّد احتلاله واغتصابه للأرض إرهابياً، ومن هو الضحيّة الحقيقيّة للإرهاب مُستضعفاً ومغصوب الحق، فعندئذ لن يكون هناك مبرّر لأحدٍ لكي يقوم بأيّ عملٍ إرهابي سواء ضد أمريكا أو غيرها من الدول.