الثلاثاء, 26 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

وأشرقت شمس الإنتصار

sample imgage

إجتاحت قوّات العدو الصهيوني الأرض اللبنانية في سنة إثنين وثمانين وتسعماية وألف فقتلت وجرحت وأسرت وشرّدت واحتلّت الأرض، ثلاث وثمانين لإدخال لبنان وشعبه في العصر الإسرائيلي كمقدمةٍ لإكمال المؤامرة على كلّ المنطقة العربيّة، وليصبح الكيان الغاصب بواسطة كلّ ذلك دولة ذات شرعيّة وسيادة في قلب عالمنا العربي والإسلامي.

لكن مع كلّ الآلام والإبتلاءات والأسى والدموع التي نتجت عن ذلك الإجتياح بزغ فجر المقاومة الإسلاميّة من عمق الظلام الذي كان يلفّ العالم العربي كلّه، وكانت شعلة النور الوضّاءة التي لم يقهرها ظلام الهزيمة وانكسار الإرادة الذي عاشه الجميع وخيّم اليأس والإحباط على الرؤوس واستقرّ في العقول والقلوب.

وكان بزوغ فجر المقاومة عبر ثلّةٍ من الشباب المؤمن الملتزم المجاهد الذي لم تقهره قساوة الأوضاع وصعوبة الظروف، وكانوا كما قال الله عزّ وجل: {الذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكّلون}.

 

وانطلقت المقاومة معتمدةً على إيمانها العميق بالله عزّ وجل، ذلك الإيمان الذي أنار قلوب المجاهدين وشحذ هممهم ونفوسهم لعلمهم بأنّ الله لن يتخلّى عن عباده المؤمنين المخلصين في ساعة العُسرة والحاجة، وسينصرهم إن هم قاموا بأداء التكليف الإلهي الملقى على عاتقهم، لأنّ النصر الإلهي محتومٌ ومضمونٌ لمن آمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمل العمل المطلوب منه في سبيل ربّه ودينه وأمنه.

وإلى جانب الإيمان بالله كان هناك إخلاص المجاهدين وتفانيهم في خدمة دينهم وأمّتهم من خلال سعيهم لإحقاق الحقّ وإزهاق الباطل وتنكّروا لذواتهم وأنانيّاتهم وأذابوا أنفسهم في إخلاصهم لله من خلال العبادة والإبتهال والدعاء والتفرّغ إلى الله لكي يرزقهم الشهادة من خلال قتالهم لعدو الله والإنسانيّة والإسلام، ولم يطلبوا لأنفسهم شيئاً من حطام الدنيا وزينتها، بل إنّ بعض المجاهدين من الذين رزقهم الله الشهادة كان يرفض عروض الزواج، لأنّه يريد أن يعانق الحور العين في جنان ربّ العالمين، ولذا كان كلّ جهد المجاهدين مُنصبّاً على الإلتزام بالواجب الإلهي ووضعه أمام أعينهم من جهة، ووضع كلّ الدنيا وزينتها ومباهجها ومفاتنها وراء ظهورهم حتّى لا تصرفهم عن حمل أمانة الجهاد وتحرير الأرض والإنسان والإرادة والقرار واستعادة العزّة والكرامة والشرف السليب.

ومُضافاً إلى الإيمان والإخلاص كان هناك ثقةٌ تامّة بالله عزّ وجل، وإن كانت الأوضاع آنذاك لم تكن توحي أبداً بأنّ هذا الإحتلال البغيض الذي هزم الجيوش العربية وأذلّها طوال خمسين عاماً منذ إنشائه واحتلّ أراضي دول عربيّة إسلاميّة يمكن أن يهزم على يد فئةٍ قليلة العدّة والعدد، ومن هنا كانت ثقة المجاهدين بالله وبنصره كبيرة وانطلقوا يقاتلون ذلك العدو من خلفية الثقة بالله، وأنّ ما يجاهدونه ليس عملاً عبثيّاً أو عمل اليائسين المحبطين، بل هو عمل الواثقين بنصر الله ومدده الغيبي والإيماني والروحي، وأنّ الله لا يمكن أن يخيّب ظنّ عبده عندما يثق به ويتوكّل عليه في مواجهة الصعاب والشدائد.

وإلى جانب الإيمان والإخلاص والثقة بالله كان هناك وضوح الهدف الذي يقاتل المجاهدون من أجله وهو: (تحرير الأرض والإنسان من رجس الإحتلال الصهيوني البغيض)، هذا الهدف الذي لم تحِد عنه المقاومة ومجاهدوها لحظةً مع كثرة ما حاول البعض من المنهزمين الساقطين أن يزجّوا بها في غير هذا الموقع الجهادي المشرّف، إلاّ أنّ كلّ ذلك لم يمنع المقاومة من الإستمرار في خطّ الجهاد ضدّ الإحتلال حتّى اليوم الأخير الذي انسحب فيه العدو صاغراً ذليلاً منكسراً لم ينل من اجتياحه لأرضنا سوى الخزي والعار والهزيمة وسقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر بإرادة المجاهدين الحسينيين الذين كانوا الجبال الراسيات في مواجهة جحافل العدو وقواه العسكريّة والتكنولوجيّة.

من هنا، فإنّ الإنتصار الإلهي العظيم للمقاومة الإسلاميّة قد تحقّق بفضل العوامل الروحيّة التي ذكرناها من الإيمان والإخلاص والثقة بالله ووضوح الهدف، التي نتج عنها استشهاد المجاهدين الذين انتقلوا إلى جوار الله عزّ وجل ليكونوا جنوداً خالدين في قافلة النور الإلهي التي يقودها سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، ونتج عنها جرح آخرين من المجاهدين الذين كانت آلام جراحهم سبباً من أسباب النصر، ونتج عنها عذابات الأسرى الذين كان لهم دورٌ في الوصول إلى النصر المؤزّر، وكذلك لا ننسى حزن عوائل الشهداء ودموع أيتامهم التي كانت تلهب مشاعر المجاهدين لينتقموا من ذلك العدو الذي أدخل الحزن والأسى إلى قلوبهم ونفوسهم، وكان يوم الإنتصار هو يوم التشفّي والإنتقام لكلّ دماء الشهداء وجراحات الجرحى وعذابات الأسرى وحزن عوائل الشهداء ودموع أيتامهم وأطفالهم كما قال الله عزّ وجل: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}، وكان الإنتصار هو يوم الفرح والسرور لشعبنا المضحّي المعطاء الذي تحمّل ظلم العدو وطوال خمسين عاماً منذ إنشاء الكيان الغاصب، وتحمّلٍ أكثر منذ احتلال سنة ثمان وسبعين وحتّى يوم التّحرير والنصر الذي كان يوماً من أيام الله وأيام الإسلام المجيدة الذي أدخل الفرحة والبهجة إلى قلوب العرب والمسلمين في كلّ أنحاء العالم.

ومن هنا، فإنّ الإجتياح البغيض الذي نتجت بسببه المقاومة الإسلاميّة وحقّقت ذلك الإنجاز العظيم كان لطفاً خفيّاً من ألطاف الله العظيمة، وهو تطبيق لقول الله: {عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم}.

والحمد لله رب العالمين