تربية الأبناء في المنظور الإسلامي
- المجموعة: مقالات اجتماعية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1616
يتضمن هذا الحديث مجموعة من الدلالات التي تحدد الإطار العام للمسؤوليات التي يتحملها الأب بالدرجة الأولى كجهة قوامية ضمن الأسرة وتتحملها الأم أيضاً كونها الشريك المسؤول أيضاً ضمن هذه النّطاق، وهذه المسؤوليات هي:
أولاً: زرع الإيمان بالله في عقل الصبي وقلبه.
ثانياً: المعاونة على طاعة الله في المجالات التي تبني شخصيته العبادية الملتزمة.
ثالثاُ: المعاونة على بناء شخصيته الأخلاقية والسلوكية لحاجته إلى ذلك في المجتمع.
رابعاً: المسؤولية الأدبية عنه في الأوساط كونه المطالب عن ولده عند الشرع والعرف.
خامساً: المسؤولية الجزائية عند الله ثواباُ أو عقاباً وفق الالتزام بالتكليف.
وفي كل ما يحتويه الحديث من دلالات لا نجد أثراً للتمييز في تحميل المسؤوليات ما بين الذكر والأنثى، فالأهل مطالبون بالتزامها بلحاظها جميعاً بغض النظر عن جنس الولد، لأن هذه المسؤوليات العامة الملقاة على عاتق الأولياء لا ارتباط لها بحيثيتي الذكورة والأنوثة حتى تكون مورداً للتساهل في جانب تربية الفتاة ومورداً للتشدد في مورد تربية الصبي، لأن التربية الملقاة على عاتق الأهل هي عبارة عن الكشف عن كل القابليات والاستعدادات لكي يمتلك الصغير ذكراً كان أو أنثى الشخصية القانونية المستقلة التي تتحمل تبعات أعمالها بمفردها لاحقاً.
وهكذا نجد في معظم النصوص الشرعية الأخرى الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أهل بيته (عليهم السلام) عدم الفرق في أصول التربية ما بين ذكر وأنثى، وعلى سبيل المثال ما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله): (رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما) أو ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (يحفظ الأبناء بصلاح آبائهم).
من هذا الجو كله، يتضح أن التمييز في المعاملة من الأهل ما بين الذكر والأنثى هو بعيد عن ذوق الشريعة ومنهاجها في ضرورة تزويد المجتمع بالعناصر الصالحة من الطرفين ليكونوا قادرين على تحمل المسؤوليات التي سوف تلقى عليهم بعد بلوغهم.
وأما ما هو جار عند بعض الأهل في مجتمعاتنا المعاصرة من التمييز في المعاملة، فهذا مما نردّه ونرجعه إلى التقاليد الموروثة التي تسللت إلى أوساطنا في أزمنة التخلف حيث كانت المعاملة للمرأة بشكل عام دون المستوى الذي شرعه الله عزوجل، وهذا ما أدى إلى سلب مجموعة من الحقوق الإنسانية للمرأة كحق التعليم والعمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية بنحو عام، وما زال هذا الأمر جارياً حتى أيامنا هذه.
بل يمكن القول إن الإسلام يوحي للأهل بضرورة إحاطة الفتاة بالعناية والرعاية كونها تحتاج إلى مثل هذا النوع من العاطفة المتلائمة مع نمط تكوينها، ولهذا نجد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): (ويبدأ بالإناث قبل الذكور) في معرض حديثه عمن يريد أن يشتري الهدايا لأولاده، فيطلب من الأهل تقديم الهدية للفتاة قبل الصبي، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الإهتمام الإسلامي بشأن الفتاة بما لا يقل عن الذكر، خاصة وأن الأهل وخصوصاً الآباء قد يميلون إلى بالذكور أكثر، فيأتي هذا التنبيه النبوي لكي يحقق العدالة في التعامل ما بين الإثنين.
هذا هو بنحو عام رأي الإسلام في هذه المسألة وهو: (لا إفراط في تربية الصبي ولا تفريط في تربية الفتاة).
أما المفاسد النفسية والاجتماعية الناتجة من التمييز في المعاملة فيمكن تحديدها فيما يلي:
أولا: الشعور عند الفتاة بأنها دون المرتبة الإنسانية للذكر، أو أنها تليه في رتبتها، وهذا مما يلعب دوراً سلبياً على مستوى إظهار القابليات والاستعدادات المودعة فيها.
ثانياً: تولد الشعور بالإحباط وعدم الإندفاع لبناء الشخصية القوية نتيجة التمايز من جهة ونتيجة الشعور بعدم الموقعية المسؤولة لها ضمن الإطار الإجتماعي العام.
ثالثاُ: الإستقواء والإستعباد الذي قد يمارسه الذكور على الإناث ضمن إطار الأسرة الواحدة أو ضمن الإطار العائلي، حيث يشعر الذكر بأحاسيس الولاية والقيمومة التي هي غير ثابتة له في مثل هذه الموارد، مع ما قد يجره ذلك من مفاسد اجتماعية على كل من الفتيات والمجتمع فيما لو صار هذا السلوك الخاطئ عاماً.
بل قد نجد أحياناُ أن مثل هذا التمييز للذكور في المعاملة عند الآباء بشكل خاص يؤدي إلى أن يتجرأ الابن الذكر حتى على أمه التي ورد في حقها من الاحترام ما يفوق جانب الرجل، إلا أن الخطأ في التمييز قد يجر أحياناً إلى الوصول لمرتبة الإساءة الأدبية والمعنوية بل والجسدية للأم أيضاً.
هذا بنحو الاختصار ما يمكن تقديمه كجواب أولي على هذه المسألة، آملين من إذاعتكم الموقرة تسليط الضوء على هذه المشكلة الاجتماعية بشكل أكثر وبنحو مركز حتى نتمكن من الوصول إلى التوازن في مسألة التربية الأهلية والأسرية للأبناء جميعاً ومن دون تمييز للذكر على الأنثى، بل ولا للأنثى على الذكر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين