عمل الأطفال
- المجموعة: مقالات اجتماعية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1880
من الواضح جداً أن عمل الأطفال أخذ ولا يزال حيزاً مهماً من النقاش والجدل حول مشروعيته من الناحية الإنسانية والحقوقية، باعتبار أن الطفل غالباً ما يكون بحاجة إلى الرعاية والعناية والاهتمام، لأن الطفولة هي مرحلة التهيؤ والاستعداد على المستوى الفكري والجسدي ليصبح مؤهلاً للانخراط في العمل الإنتاجي، والجسدي منه بالخصوص، حيث لا يستطيع الطفل أن يتحمل ذلك في سنوات طفولته. ولهذا صدرت التشريعات القانونية عند غالبية الدول التي تمنع أصحاب المؤسسات وذوي العمل الإنتاجي بأنواعه المختلفة من تشغيل الأطفال، لأن هذا الأمر يعتبر تعدياً على حقوق الطفل الإنسانية، إلا أن هذه التشريعات لم تستطع أن تحد من هذا التشغيل إلا بنسبة قليلة، خاصة في دول العالم الثالث الفقيرة، حيث يسعى أرباب العمل إلى توظيف الأطفال بأجور متدنية طمعاً بالأرباح التي يوفرونها من جهة، واستغلالاً لحاجات العوز والفقر التي تعانيها شعوب تلك الدول فتضطر لأن ترسل أطفالها للعمل ليساعدها ذلك على تجاوز مصاعب الحياة المادية والاجتماعية. ونحن نرى أن
التشريعات القانونية المجردة عن الارتباط بالإيمان والبعد الغيبي لن تكون قادرة على حماية الأطفال من هذا النوع من الاعتداء على إنسانيتهم وعلى حقوقهم، لأن التشريع القانوني غالباً ما يسخره الأغنياء والمترفون لصالحهم ولو عبر أساليب الإستمالة والرشوة لمن يفترض فيهم أن يكونوا حماة القانون والفئات التي من أجلها كان تشريع ذلك القانون. أما الإسلام فقد تعامل مع هذه المسألة من وجوه عديدة، ويمكن إيجازها بما يلي: أولا: يعتبر الإسلام أن الطفل قبل وصوله إلى مرحلة البلوغ ذكراً كان أو أنثى مسلوب العبارة، بمعنى أن الطفل غير مكلّف، وتبعاً لذلك أبطل الإسلام بيعه وشراءه وهبته وكل التصرفات المالية الأخرى، إلا في حدود الأشياء الحقيرة من الناحية المالية ـ أي الأمور التي تكون أثمانها قليلة جداً وزهيدة، بحيث أن تصرف الطفل فيها لا يشكل خروجاً عن النظام المالي العام، وتبعاً لذلك أسقط عنه الجنايات الأساسية المشروطة بالبلوغ من قبيل إقامة الحدود الشرعية عليه المنصوصة للجنايات الكبيرة كالقتل والسرقة والزنا، وأسقط عنه التكاليف العبادية كالصلاة والصيام والحج، لكنه شجّع على تعويد الطفل عليها لأنها أساس في بناء شخصيته الإيمانية. ثانيا: أوجب الإسلام الإنفاق على الأطفال وتأمين احتياجاتهم ورعايتهم من كل النواحي المعنوية والمادية ليستقيم نموه ولينشأ بطريقة سليمة تؤهله للدخول إلى معترك الحياة وهو على أتم الاستعداد نفسياً وعقلياً وجسديا فلا يكون عبئاً على المجتمع، أو عقد نفسية أو غيرها مما تجعله سلبياً في نظرته إلى الآخرين، من هنا نجد أن الإسلام في فترات الطفولة يؤكد على دور الأسرة والأبوين خصوصاً من حيث تزويد الطفل بالقضايا الإيمانية والأخلاقية وتعويده على العبادات والممارسات الإجتماعية التي تنمي فيه حس الخير والفضيلة والسلوك المتزن. ثالثاً: من القضايا الرئيسية والمهمة في تربية الأطفال عدم زرع حب الدنيا في نفوسهم وعدم تشجيعهم على الخوض فيها قبل اكتمال الاستعدادات النفسية والإيمانية والعقلية والجسدية، لأن زرع المفاهيم الدنيوية بشكل خاطئ قد تؤدي إلى انحراف في مسيرته عندما يصبح مؤهلاً، باعتبار أن دخول الطفل معترك العمل والإنتاج في سن مبكرة قد يؤدي به إلى التعلق بالمغريات المادية وخصوصاً المالية منها، وهذا يتنافى مع مبدأ التوازن الذي يحبذه الإسلام في شخصية المسلم ما بين احتياجاته الدنيوية والأخروية، بل نجد في مصادرنا الروائية تحذيراً شديد اللهجة إلى الآباء الذين يدفعون بأبنائهم إلى خضم الحياة في تلك السن بسبب الخطورة على توجهاتهم الدينية والأخلاقية والنفسية أيضاً. رابعاً: يستفاد من الروايات التي تقسم مراحل حياة الإنسان في فترة الطفولة والمراهقة إلى ثلاث، أن هذه السن هي سن التهيؤ كم سبق، فهي تنص بأن للولد حقاً في اللعب سبع سنوات، وحقاً في التأديب سبع سنوات، وحقاً في الرفقة والصحبة سبع سنوات، وعلى هذا يكون السن الذي يؤهل الإنسان هو سن ( الواحد والعشرين عاماً ). من هنا نقول إن المستفاد من مجمل هذا العرض أن مسألة عمل الأطفال إسلامياً تتنافى مع كل هذا التخطيط الإلهي لفترة الطفولة والمراهقة عند الإنسان، لأنها تحرمه من كثير من الأمور المهمة الدخيلة في تكوين شخصيته الإنسانية والرسالية معاً، مع ما يمكن أن يؤدي إليه الانخراط المبكر في هذا المجال إلى أخطار اجتماعية وسلوكية عند الأطفال الذين قد يعيشون عوامل الحقد والكراهية والبغضاء للمجتمع الذي حرمهم من امتيازاتهم وحقوقهم الإنسانية لصالح سوق العمل والإنتاج، وهذا ما نراه ونعيشه اليوم في كثير من بلدان العالم التي وفق الاستقراء والجداول الموضوعة فأن إهمال هذا الجانب الحيوي من حياة الأطفال ودفعهم في سن مبكرة هو المنشأ لكثير من المفاسد الاجتماعية الخطيرة. وبالرجوع إلى مصادرنا الروائية نجد الأحاديث التي ترشد إلى الأصول المتعلقة بالأطفال من الناحية القانونية والإيمانية والإجتماعية وهي كما يلي: أ ـ ما يدل على رفع التكليف: ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم... ). ب ـ ما يدل على حسن التربية وتعليم الأدب: ( أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم ). ج ـ ما يدل على تقسيم فترتي الطفولة والمراهقة: ( أتركه سبعاً، وأدّبه سبعاً، وصاحبه سبعاً... ). د ـ ما يدل على ضرورة تعليم الأطفال دينهم: ( إن الله يجزي الوالدين ثواباً عظيماً، فيقولان: يا ربنا أنّى لنا هذه ولم تبلغها أعمالنا؟ فيقال: هذه بتعليمكما ولدكما القرآن وبتبصيركما إياه بدين الإسلام). هـ ـ ما يدل على التحذير من ترك التربية الإيمانية من جهة والتشجيع على الدنيا من جهة أخرى: ( ويل لأولاد آخر الزمان من آبائهم: فقيل: يا رسول الله من آبائهم المشركين؟ فقال: لا، من آبائهم المؤمنين لا يعلمونهم شيئاً من الفرائض وإذا تعلموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم مني براء ). هذا بنحو الإجمال نظر الإسلام إلى الأطفال حيث نرى أنه يتنافى مع قضية العمل والإنتاج عند الطفل، لأن هذه السن مخصصة للتربية وإبراز القابليات وإكمال الإعداد الروحي والجسدي معاً، وليست وقت الإنتاج عند الطفل. والحمد لله رب العالمين