الإستطاعة شرط لوجوب الحج
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2801
1- الإستطاعة المالية .
2- الإستطاعة البدنية.
3- الإستطاعة في الوصول إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج "الطريق الآمن".
4- الإستطاعة الزمنية. وسوف نشرح معنى كلّ واحدٍ من هذه المعاني للإستطاعة.
أولاً: شرح معنى الإستطاعة المالية. والإستطاعة المالية هي عبارة عن مجموعة من الأمور لا بدَّ من توافرها جميعاً وهي التالية:
أ- المال الكافي للذهاب والإياب بما يشمل ثمن الطعام والشراب وأجرة السكن وما شابه ذلك من هذه الأمور.
ب- مؤنة العيال طوال مدّة سفر الحج لو كان متزوِّجاً، أو كما لو كان الشخص هو المعيل لأهله مثلاً، فإذا لم يكن لديه ما يتركه لعياله أو لمن وجبت نفقتهم عليه لا يكون الحج واجباً عليه، لأنّ الله لا يريد من المسلم أن يذهب للحج ولو على حساب عياله الذين لن يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم حال غيابه عنهم.
ج- أن يكون ما يحتاج إليه في حياته العادية من كلّ ما يدخل تحت عنوان المؤنة كالمسكن والأثاث وغير ذلك متوافرة عنده، وأمّا لو كانت هذه الأشياء غير موجودة لديه وهو بحاجة إليها، فالحج هنا لا يكون واجباً أيضاً، لأنّ الله لا يريد للإنسان الذهاب إلى الحج إلا بعد أن يكون قد حقّق إحتياجاته الدنيوية ولو بالحد الأدنى الذي يكفيه للعيش بكرامة وعزّة، بل يمكن ساعتئذٍ أن يصرف الإنسان ذلك المال في شراء ضروريات حياته ويحج في وقتٍ آخر عندما تتحقق الإستطاعة الحقيقية المتوفّرة على كلّ الشروط. د-الرجوع إلى الكفاية بمعنى أنّه لا يكفي لوجوب الحج أن يمتلك الإنسان المال ومؤنة العيال حال سفره وتأمين ضروريات الحياة، بل ينبغي أن يكون قادراً بعد الرجوع على تأمين مصاريف حياته، لو كان لديه تجارة أو زراعة أو مهنة أو منفعة معينة تدرُّ عليه أرباحاً تجعله قادراً على تأمين إحتياجاته بعد رجوعه من رحلة الحج، فلو فرضنا أنّ من يريد الذهاب للحج ليس عنده شيء من ذلك، فهنا لا يكون الإنسان مستطيعاً ولا يجب عليه الحج شرعاً، لأنّ بعد عودته لن يكون عنده شيء يعتاش منه. نعم هذا الشرط في الإستطاعة المالية غير معتبر شرعاً في ما نسميه شرعاً "الحج البذلي" وهو عبارة عن أن يتبرّع شخصٌ ما لإنسانٍ آخر بكلّ نفقات الحج من الذهاب والإياب ويتكفّل له بكلّ ما يحتاج إليه فهنا سقط اعتبار شرط الرجوع إلى الكفاية. ثانياً: شرح معنى الإستطاعة البدنية. وهي عبارة عن أن يكون المريد للحج سليم الجسم وخالياً من الأمراض التي تعتبر مؤدية إلى عجز الإنسان عن القيام بمناسك الحج، ولهذا لو فرضنا أنّ المسلم كان مريضاً مرضاً يعجزه عن القيام بالتكاليف أو كان كبير السن كالهرم العاجز لا يكون الحج في هذه الحالة واجباً، وشرط الإستطاعة البدنية مطلوب تحقّقه ووجوده، فلو فرضنا أنّ المسلم قام بكلّ المقدمات المطلوبة منه للذهاب، ثمّ قبل التوجّه لأداء الفريضة أصابه مرض أعجزه عن الذهاب، فإنّ ذلك يؤدي إلى سقوط وجوب الحج عنه لأنّه لم يعد مستطيعاً بدنياً. نعم لو فرضنا أنّ هذا الشخص المريض كان قد وجب عليه الحج من السابق كما لو كان مستطيعاً من كلّ النواحي لكنّه لم يذهب، ففي هذه الحالة إن كان مرضه دائماً ومستمراً بحيث لا شفاء له من ذلك المرض حتى آخر حياته، أو كان الذي وجب عليه الحج قد صار كبير السن وصار أداء الحج حرجاً عليه أو كان فيه ضرر غير قادر على أن يتحمّله، ففي هاتين الحالتين يجوز إرسال شخص آخر لينوب عن المريض أو الهرم لأداء الفريضة بدلاً عنهما. ثالثاً: شرح الإستطاعة في الوصول. وفي أيامنا هذه فمعنى الإستطاعة هنا أن يجهّز الإنسان المستندات المطلوبة منه ويتقدم بها إلى السلطات المختصة في بلده للحصول على جواز السفر الخاص بالحج، ثمّ قدرة الحصول على تأشيرة الدخول إلى البلد الموجودة فيها "مكة المكرمة" حيث الأماكن التي يؤدي فيها المسلم فريضة الحج، فلو فرضنا أنّ هذا الإنسان لم يكن قادراً على الحصول على المستندات المطلوبة لسببٍ أو لآخر، أو حصل عليها ولكن لم يعطوه تأشيرة دخول إلى البلد المعني بالحج، أو كان عليه خوف من الإعتقال والحجز لسببٍ أو لآخر، وكانت المبرّرات لذلك الخوف مقبولة شرعاً، فمثل هذا الإنسان يعتبره الإسلام غير مستطيع ولا يجب عليه الحج.
رابعاً: شرح الإستطاعة الزمانية. وهي عبارة عن أن تكون الإستطاعة قد تحقّقت في وقتٍ مبكّر بحيث يتمكن الإنسان من تأمين كلّ مستلزمات الحج التي تجعله قادراً على القيام بالمناسك، أمّا لو افترضنا أنّ إنساناً ما قد صار مستطيعاً في وقتٍ متأخر بحيث لم يعد أمامه الوقت الكافي لتجهيز نفسه، كما لو ملك مالاً في وقتٍ لم يعد قادراً على تأمين جواز السفر أو تأشيرة الدخول أو غير ذلك فهنا لا نعتبر هذا الإنسان مستطيعاً ولا يجب عليه الحج. ولا بدّ من الإشارة إلى مسألةٍ مهمة وهي أنّه عندما تتحقّق الإستطاعة لدى المسلم بكلّ مفرداتها ومعانيها ومتطلّباتها كما شرحناها يجب المبادرة للذهاب إلى الحج في نفس السنة ولا يجوز للمسلم أن يؤخّر حجّه عن السنة التي استطاع فيها، ولو لم يذهب مع عدم وجود أي عذرٍ شرعي يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً يستحقّ عليه العقاب من الله سبحانه وتعالى، ولهذا لا يحقّ للمسلم أن يقول (أنا استطعت ولكن لا أريد الحج الآن) لأنّ الإنسان المسلم عليه أن يلتزم بتكليفه لا أن يكون هو الذي يتحكّم بالتكليف كما يريد، فهذه الطريقة مرفوضة في الإسلام وغير معترف بها. كما لا بدّ من التنبيه إلى مسألةٍ مهمة أيضاً وهي محل ابتلاء الكثير من الناس، حيث نرى أنّ البعض يحب الذهاب إلى الحج ولكنه غير مستطيع مالياً وبالتالي فهو غير مكلَّف شرعاً بهذه الفريضة، فيلجأ مثل هذا الإنسان إلى اقتراض المال للذهاب على أن يسدّد هذا القرض بعد رجوعه من الحج، ومن هنا نقول إنّ الذين يستعملون هذا الأسلوب يعتبرهم الإسلام مستطيعين ويكون حجّهم هو حج الإسلام الواجب، ولا يكون حجهم حجاً مستحباً لا غير، يعطيهم الله الأجر والثواب عليه ويكون الحج المبرئ للذمة أمام الله سبحانه وتعالى. وقد يحاول البعض اللجوء إلى طريقةٍ أخرى هي نوع من الحيلة بمعنى أن يطلب شخص مالاً من آخر بعنوان "الهبة" باللفظ فقط حتى يصبح مالكاً للمال، ثمّ بعد أن يرجع من الحج يعيده إليه دفعة واحدة أو بالتقسيط، وهذا بالحقيقة نوع من الحج بالدين وهو مبرىء للذمة أيضاً. فالإسلام يريد الحج من المسلم الذي من خلال عمله ومعيشته تمكّن من توفير المال الذي يكفيه للحج، ولا يريد تأمين الإستطاعة بأي طريقٍ حتى لو كان فيه حرج ومشقة على المسلم كما في الحج بالدين جزئياً أو كلياً، فلو كان جزء من استطاعة الإنسان من الدين فلا يكون الحج واجباً. ولكن لو اقترض وحج فحجه مبرئ للذمة ، ثمّ لو فرضنا أنّه كان لشخص دين على شخص آخر وكان صاحب الدين قادراً على تحصيل دينه لأنّ المديون قادر على التسديد، فيجب على صاحب الدين المطالبة بحقه لأنّه من الناحية الشرعية هو مستطيع، أمّا لو فرضنا أنّ المديون غير قادر على تسديد الدين أو كان التسديد يسبّب له حرجاً شديداً لا يستطيع أن يتحمّله، فهنا لا تجب المطالبة بالدين ولا يجب الحج على صاحب الدين. وهناك مسألة مهمة بالنسبة للمرأة المتزوجة أو الفتاة كذلك وهي أنّهما إذا إمتلكتا مالاً يكفيهما للحج من الناحية الشرعية فيجب على الزوجة الذهاب ولا تحتاج إلى إذن زوجها لأنّ الحج تكليف لله عزّ وجلّ ولم يشترط فيه الإسلام إذن الزوج، بل لا يحقّ له منعها من الذهاب، وكذلك الفتاة لا يجب عليها أخذ الإذن من الأب، لأنّ الإستطاعة التي تحقّقت لديها أخذت الإذن من الله سبحانه وتعالى، والقاعدة الشرعية تقول عندنا بأنّه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). نعم لو أرادت الزوجة أن تحجّ حجاً مستحباً فهي محتاجة إلى إذن الزوج ولو كانت مصاريف الحج من مالها الشخصي وليس من مال الزوج، وكذلك الفتاة. ولكن مع ذلك لا بأس بأن تستأذن الزوجة من زوجها ولو من باب اللياقة الأدبية والأخلاقية وكذلك من اللياقة أن يأذن الزوج لها ولو لم يكن إذنه مطلوباً، وكذلك الحال بالنسبة إلى الفتاة التي مازالت تعيش مع أهلها فتستأذن منهم ويأذنون لها. وفي ختام هذا البحث عن الإستطاعة لا بأس ذكر بعض المسائل الفقهية للقائد حول هذه المسألة بالذات من مسائل الحج وهي:
مسألة14: من كان لديه ما يكفيه للحج فقط واحتاج للتزويج وكان في تركه مشقّة أو حرج أو مهانة عليه، أو كان موجباً لمرضه أو خاف وقوعه في الحرام فلا يعتبر مستطيعاً...
مسألة27: يجزي الحج البذلي عن حجة الإسلام ولا يجب عليه الحج ثانياً فيما لو استطاع بعد. -مسألة29: لا يجوز للمستطيع أن يخرج نفسه عن الإستطاعة بعد حلول الزمان الذي يجب فيه صرف المال للذهاب إلى الحج، بل الأحوط وجوباً أن لا يخرج نفسه عن الإستطاعة قبل ذلك الزمان أيضاً
مسألة32: إذا استؤجر للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحج بعد قبوله للإجارة، نعم لا يجب عليه قبول الإجارة.
-مسألة33: من آجر للحج النيابي ثمّ صار بعد عقد الإجارة مستطيعاً بغير مال الإجارة وجب عليه الإتيان بحجة الإسلام لنفسه في سنته، فإن كانت الإجارة للحج في نفس السنة بطلت، وإلا فيأتي بالحج الإستيجاري النيابي في السنة اللاحقة.
-مسألة36: يجب على المستطيع الإتيان بحجة الإسلام أولاً، فلا يجوز له أن يحج نيابة عن غيره ولا استحباباً عن نفسه قبل الإتيان بها، فإن فعل ذلك كان حجّه باطلاً. والحمد لله ربّ العالمين .
ملاحظة : فتوى الامام الخامنئي (دام ظله) الجديدة: من حج بالدّين مع القدرة على وفائه من دون مشقة في معيشته فحجه مجزٍ عن حجة الإسلام.