طاعة أولي الأمر في الإسلام 15
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1665
والإجتهاد هو المرتبة التي لا بدّ للولي أن يكون واصلاً إليها ولأنّه بدونها لا يمكن أن يمتلك اللياقة لقيادة الأمة وإدارة أمورها، ولذا نجد في العديد من الأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) المكانة المتميزة للعلم والعلماء في مسيرة الأمة لأنّهم الأليق والأقدر على معرفة أمورها ممّن ليسوا في مستواهم، ومن جملة تلك الأحاديث: (العلماء ورثة الأنبياء) و(مجاري الأمور بيد العلماء) إلى غير ذلك كثير ممّا هو موجود وبألفاظ مختلفة تشير جميعاً إلى الموقع المرموق للعلماء في الإسلام.
ثانياً - العدالة – وهي الملكة النفسانية المستندة إلى الإيمان بالله عزّ وجلّ مع كلّ مستلزماته التفصيلية النظرية والتي تدفع الإنسان إلى الإلتزام الكامل بأحكام الشريعة في كلّ جوانب الحياة، فيفعل حيث يجب الفعل، ويترك حيث يلزم الترك، لأنّ صفة العدالة هذه مطلوبة أيضاً من أجل زرع الثقة من الأمة بالقيادة، لأنّه بدون هذه الثقة لن تستطيع الأمة أن تعيش الإطمئنان إلى من يتولّى أمورها، مُضافاً إلى أنّ وصف العدالة في القائد يصبح مانعاً له من المحاباة على حساب مصالح الآخرين، كما أنّ عدالته تدفع به إلى التطبيق الواعي والدقيق لأحكام الشريعة وتوجّهاتها للحفاظ على المقاصد الأساسية للتشريع الإسلامي للحياة، ويكفي الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقدار ما فيهما من نصوص تتحدث عن العدل وأهمية إجرائه في الحياة.
ثالثاً - الحياة – لأنّ موقع الولاية هو قيادة الأمة والسير بها نحو الأهداف المرسومة، ولذا لا يُتَعقَّل أن يكون الولي ميتاً، وبهذا الشرط يفترق مقام الولاية عن مقام المرجعية في الفتيا للأمة، فإصدار الفتوى لضبط عمل المكلَّفين قد لا يحتاج إلى أن يكون الفقيه حياً كما هو حال فتاوى مراجعنا العظام إلى الآن حيث يجيزون الرجوع إلى فتوى الفقيه ولو بعد موته وإن كانوا يشترطون في الغالب أن يكون بدء التقليد حال حياته لا حال الموت لإعطاء المبرّر من أجل تقليده بعد الموت.
أمّا الولي فالمعتبر أن يكون حياً لا غير لأنّ الولاية هي عبارة عن التفاعل المستمر بين الأمة وقيادتها ولا يمكن أن يتحقق هذا التفاعل ويعطي آثاره ونتائجه في مسيرة الأمة من موقع الموت.
وهذا الشرط في الحقيقة كان ينبغي أن يكون بديهياً لولا شبهة طارئة في الموضوع وهي الإعتقاد بثبوت الولاية على الأمة لكلّ فقيه وهذا ما سوف نفرد له مقالة خاصة يتمّ فيها توضيح هذا الإلتباس وبيان منشئه وطريقة حلّه.
رابعاً - الكفاءة – وهذا شرط أساسي في الولي، لأنّ غير الكفوء ليس بقادر على أن يقود نفسه أو أن يدير أموره بطريقةٍ مناسبة فكيف بإدارة أمور أمة لها مصالح ومنافع كبرى تحتاج إلى عقلٍ واعٍ مدبّر حكيم يحسن التصرّف والقيادة ويتمكن من السير بالأمة نحو تحقيق أهدافها عبر جلب المنافع لها وإبعاد المفاسد عنها، وشرط الكفاءة هذا هو الحكم والفاصل بين المؤهّلين من الفقهاء لقيادة الأمة، فقد نرى فقيهاً ألمعياً في القدرة على الإستنباط للأحكام لكنّه ليس ضليعاً بالإدارة أو عالماً بالسياسة للمقدار الذي يجعله قادراً على توضيح المواقف في أمثال هذه المسائل المهمة والخطيرة في حياة الأمة، وعدم الإطِّلاع الكافي في هذه الجوانب يمنع من وصول مثل ذلك الفقيه إلى موقع قيادة الأمة.
ولذا نجد في العديد من الأحاديث ما يشير إلى شرط الكفاءة من قبيل :(العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) و(أعرف الناس بالزمان من لم يتعجّب من أحداثه) و(حسب المرء من عرفانه، علمه بزمانه).
فمعرفة الزمان الواردة في الأحاديث ليست إلا الإطِّلاع على الأفكار والعقائد والأنظمة والقوى الفاعلة في العالم وتوجّهات كلّ واحدةٍ منها في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية كذلك، ومعرفة الولي بكلّ تلك الأمور كفيلة بجعله قادراً على درء أخطارها من جهة، أو الإستفادة من الجوانب غير المخالفة للشرع الحنيف ولمصالح الأمة من جهةٍ ثانية.
وفي المقالة اللاحقة سنبيّن الفوارق بين الفقيه والولي وما هو الجامع بينهما ومن أين نشأت شبهة الولاية لكلّ فقيه وكيف تحلّ هذه الشبهة.
والحمد لله ربّ العالمين .