طاعة أولي الأمر في الإسلام 13
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2292
ولتوضيح هذه النقطة أكثر نقول إنّ الموارد التي ثبتت فيها الولاية في الفقه على قسمين – قسم يختص بالفرد – وقسم يختص بالأمة – والقسم المختص بالأفراد قائم على رعاية الولي لشؤون المولَّى عليه، وهذا ما نراه في ولاية الأب على أطفاله أو ولايته على زوجته في بعض جوانب الحياة الزوجية، أو في ولاية الأب على ابنته البكر عندما تريد الزواج، أو كما في الولاية على السفيه المحجور عليه التصرّف في ماله لعدم تحقّق الرشد منه في التعامل مع القضايا المالية، وقد تكون الولاية قائمة لفردٍ ما من أجل تحصيل حقٍ ثابت له كولاية صاحب الدين على ماله الذي أقرضه لآخر فماطله أو أنكره فهنا يحقّ لصاحب المال المقاصة من ذلك الشخص عبر جعل ولاية له على مال ذلك الآخر بما يحقّق له إرجاع ماله الذي ماطل به المقترض أو أنكره. وهذا النوع من الولاية لا يتجاوز حدود الفرد وهو مختص به، وليس في هذا النوع من الولاية القابلية للتوسّع لتشمل أزيد من دائرة الفرد، وهذه الولاية تسير في عرض النوع الآخر أو القسم الآخر من الولاية ولا يزاحمه لأنّ دائرة عمل الولاية على مستوى الفرد تختلف في التعريف والوظيفة عن دائرة الولاية على مستوى الأمة، ومن هنا يمكننا أن نفسّر الولاية على الشؤون الفردية بالمعنى الذي أوضحناه بأنّها (السلطنة على الشيء بما يحقّق مصلحة الفرد) سواء أكان ذلك الفرد هو نفس من له الولاية أو المولَّى عليه.
وأمّا القسم الآخر من الولاية وهو المختص بالأمة فهو الذي يهتم بما هو من الإحتياجات والشؤون العامة التي تعود بالنفع على الأمة بوصفها المجموعي أو تدفع الضرر عنها كذلك، وهذه الولاية وإن كانت بالنظر الدقيق تنحل إلى ولاياتٍ عديدة لولي الأمر على كلّ فردٍ من الأمة، إلا أنّ الملحوظ في هذه الولاية هو النظر إلى الأمة بما هي مجموعة الأفراد معاً.
وهذه الولاية لا تشمل التصرّفات محض الشخصية الراجعة إلى حياة الأفراد، فيحقّ للفرد المولَّى عليه هنا أن يتصرّف بنفسه وبما يحقّق له أهدافه من دون أن يتدخل الولي فيها مباشرة فللفرد أن يتاجر بما يشاء أو يختار أن يتعلّم ما يشاء أو أن يتزوّج ممّن يشاء طالما أنّ كلّ ذلك لا يخالف القوانين والتشريعات القائمة في المجتمع الإسلامي، والسبب في إباحة كلّ هذه الأمور للفرد هنا أنّ مصبّ الولاية هنا هو الأمور العامة التي تهمّ المجتمع ككل.
ومن هنا يمكن القول إنّ الولاية على الأمة هي لرعاية القصور الحاصل على مستوى القضايا العامة للمجتمع، وبتعبيرٍ آخر إنّ منشأ هذه الولاية هو أنّ للمجتمع احتياجات كثيرة تتجاوز طاقة الأفراد، ومع انصراف كلّ فردٍ إلى عمله الخاص وإلى شؤونه الخاصة لن يتمكّن أحد من القيام برعاية الشؤون العامة للمجتمع، فينتدب المجتمع من بين أفراده مجموعة من الأفراد لتقوم برعاية تلك الشؤون العامة وترفع كلفة القيام بها عن عاتق باقي أفراد المجتمع، وهذه المجموعة تحتاج بدورها إلى الولي الذي يرعاها أيضاً ويوجّهها للقيام بتلك المصالح العامة ذات المنافع العائدة لأفراد المجتمع، وهذا الولي هو الذي يجب أن تتوافر فيه المواصفات الشرعية اللازمة حتى لا يخرج بعمله عن الصراط المستقيم الذي يحقّق الأهداف من ولايته.
وبهذا يمكن القول إنّ الولاية على الأمة هي بمعنى (السلطنة على المجتمع أو الفرد في الجوانب والشؤون العامة ذات المنافع المشتركة للأفراد).
يبقى في هذا المجال نقطة أخيرة وهي إنّ قولنا إنّ الولي الفقيه لا سلطة له على الفرد في الجوانب الشخصية من حياته إنّما هو في حال لم تكن التصرّفات الشخصية ذات علاقة سلبية في الشؤون العامة، وأمّا إذا وصلت التصرّفات الشخصية إلى المستوى الذي يؤثر سلباً على المصالح العامة للأمة فهنا يحقّ للفقيه الولي التدخّل، وسبب تدخّله هنا هو خروج هذا التصرّف عن عنوانه الفردي والشخصي ودخوله تحت عنوان عام يجعل للولي الفقيه سلطة على هذا الأمر وولاية لكي يتصرّف معه بما يرفع الحالات السلبية التي نتجت عنه.
هل يمكن للولي الفقيه أن يكون متعدّداً في الأمة الإسلامية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في المقالة اللاحقة.
والحمد لله ربّ العالمين .