الإثنين, 25 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الزواج في الإسلام-1-

sample imgage

إنّ نظرة الإسلام إلى الزواج هي نظرةٌ حضاريّةٌ متقدّمةٌ جداً، ولا نتصوّر أنّه توجد عقيدةٌ أخرى إرتقت بالزواج إلى هذا المستوى من المكانة والإهتمام والرعاية، والسّبب أنّ الزواج هو اللبنة الأساسية والمدماك الرئيسيّ في بناء المجتمع الإنسانيّ الملتزم والهادف، وكلّما كانت المؤسسة الدخيلة في هذا الموضوع وهي "الزواج" متينة وقويّة كلّما كان المجتمع متيناً وقويّاً أيضاً.

من هنا سعى الإسلام من خلال تشريعاته العامّة والخاصّة في هذا الجانب  الحيويّ والمهم إلى صون الزواج من البداية حتّى النهاية، أي منذ بدء تفكير الشابّ أو الفتاة بالإرتباط وصولاً إلى المعايشة الفعلية للطرفين في المنزل الزوجيّ الجامع لهما.

 

والمواصفات الشرعيّة التي أكّد الإسلام على ضرورة الإلتزام بها عند البحث عن شريك الحياة يمكن تلخيصها بما يلي: (التديّن، الأخلاق، السيرة المحمودة، والكفاية الماديّة)، ولذا ورد في الحديث :(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه).

فهذه المواصفات هي نوعٌ من الضمانة الشّرعيّة الإسلاميّة للزواج الصّحيح والناجح والذي يمكن أن يحقّق الأغراض الشخصيّة لطرفيه، كما يمكن أن يكون المحوّل المناسب للمجتمع بالأبناء الصالحين الذين يكونون يداً تبني وتساعد في إنماء المجتمع وازدهاره وتقدّمه.

وملاحظة المواصفات الشّرعية يمكن اعتبارها من جهةٍ أخرى صمّام أمانٍ للحياة الزوجيّة حتّى عندما تحصل الإختلافات في الآراء  بين الزوجين، فيمكن لكلٍّ منهما أن يتعامل مع الآخر من موقع الإحترام والتّقدير، لأنّ كلاًّ من الطرفين سيلتزم بالحدود الشرعية والضوابط الأخلاقية التي لا تسمح لأيٍّ منهما بتجاوز ما هو المسموح له، وبالتالي فمهما اختلفا في الآراء لن يطغى أحدهما على الآخر ليلغي وجوده أو ليقيّد فاعليته ودوره في حياة الأسرة وفي المحيط الإجتماعي، وبنحوٍ مختصر إنّ مراعاة الضوابط الشرعية هي التي تقلّل من سلبياتٍ كثيرةٍ في الحياة الزوجية وتحدّ من حالات الطلاق والإنفصال بشكلٍ كبيرٍ وفاعل، وإذا حدث الطلاق أحياناً لا سمح الله فهذا لا يشكّل عبئاً على المجتمع لأنّه محصورٌ بحالاتٍ معينةٍ لا تصل إلى أن تصبح مساراً شائعاً ورائجاً.

من هنا نقول إنّ أغلب الأسباب التي يترتّب عليها الطلاق المدمّر للأسرة وللكيان الزوجي هو في أحيانٍ كثيرةٍ، بل في أغلب الحالات مرتكزٌ إلى عدم مراعاة الضوابط الشرعية أو التسرّع أو بعض أنواع الإحراج التي يتعرّض لها بعض الناس للقبول بشخصٍ أو بفتاةٍ لأسباب إجتماعية أو عائلية أو ظروفٍ قاهرةٍ وضاغطةٍ لا تعطي للشّخص مجالاً للتفكير السويّ والسليم في الموضوع، فتكون النتيجة بالتالي وبالاً على الطرفين، وتكون عاقبة الزواج الناتج عن هذه الأسباب هي الطلاق والإنفصال مع ما قد يترتّب على ذلك من تدمير الأسرة وتشريد الأطفال وضياعهم عاطفياً وروحياً ونفسياً بين أمٍّ وأبٍ منفصلين.

من هنا نقول إنّ الخطوة الأولى لتصحيح الكثير من السلبيات في هذا المجال هو إشاعة ونشر الثقافة الإسلامية الأصلية عن موضوع الزواج، وعن المقدّمات التي لا بدّ منها للوصول إلى العلاقات الزوجيّة الناجحة، ولا بدّ أيضاً من تصحيح نظرة الرجل إلى المرأة وفق القواعد الإسلاميّة، وكذا نظرة المرأة إلى الرجل من هذا المنظار.

ولا بد أيضاً من إشباع التفكير الإجتماعي للمسلمين بأنّ الزواج لا يقوم أساساً على عملية الحقوق المتبادلة بين الزوجين بمقدار ما يقوم على علاقات المودّة والرّحمة التي تتجاوز الحقوق بمعناها القانونيّ، ومسألة الحقوق إنّما يكون لها موردٌ عندما تحصل إختلالاتٌ قد تؤدّي إلى طغيان طرفٍ على آخر فعندها يتسلّح الطرف الآخر بحقوقه ليحمي نفسه من ضغطٍ ٍمعين أو أسلوبٍ يريد الآخر أن يستعمله في الحياة الزوجية.

إنّ هذه التوضيحات لا بدّ منها للإنتقال من مرحلة "مجتمع الرجل" في عالمنا الإسلامي إلى مجتمع الرجل والمرأة معاً، وهو الشرط الأساس واللازم للنهوض بالجميع إلى المستوى اللائق بالتشريع الإلهي العظيم الذي أنعم الله به علينا لنسير على هديه وعلى ضوء إرشاداته ومفاهيمه.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد توفيق المقداد

  


"التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع، كما ولا يتحمّل الموقع

أي أعباء معنوية أو مادية إطلاقاً من جراء التعليقات المنشورة"


أضف تعليقاً


كود امني
تحديث