وجوب الخمس في الإسلام
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3538
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: {واعلموا أنّ ما غنمتم من شيءٍ فإنّ لله خمسه ولذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل إن كنتم آمنتم بالله}، (سورة الأنفال – آية 14)
هذه الآية هي الوحيدة في القرآن الدالّة على وجوب الخمس بشكلٍ واضحٍ وصريح، وموردها وفق نزولها هو غنائم الحرب، إلاّ أنّ المورد لا يخصّص الوارد كما هو المعروف والثابت عند علمائنا، وإلاّ لتعطّلت الكثير من الآيات والأحكام كما تقرّر في محلّه. ومن هنا فإنّ كلمة "غنمتم" الواردة في الآية تدلّ على كلّ ما يكسبه الإنسان ويستفيده من تجارةٍ أو حربٍ أو عملٍِ أو غير ذلك كما هو مقرّر في الفقه في باب الخمس حيث جعلوا الخمس واجباً في سبعة موارد كما سوف يتّضح.
وتدلّ الآية أيضاً بنصّها الصريح على أنّ الخمس لا بدّ من تقسيمه على الموارد الستّة التي ذكرتها الآية الكريمة وهي:
أولاً: سهم الله عزّ وجل.
ثانياً: سهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثالثاً: سهم قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد به الإمام المعصوم (عليه السلام) بإجماع الفقهاء.
وهذه الأسهم الثلاثة هي التي يُطلق عليها إسم "سهم الإمام" (عليه السلام) في زماننا.
رابعاً: سهم اليتامى من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنته فاطمة (عليها السلام).
خامساً: سهم المساكين من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من إبنته فاطمة (عليها السلام).
سادساً: سهم أبناء السبيل من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من إبنته فاطمة (عليها السلام).
وهذه الأسهم الثلاثة هي التي يُطلق عليها إسم "سهم السادة" في زماننا.
وقد وردت رواياتٌ عديدة تفسّر كيفيّة هذا التقسيم للأصناف الستّة، نختار منها الرواية التالية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام).
(قال الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير آية الخمس "واعلموا أنّ ما غنمتم من شيءٍ فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" قال : إنّ خمس الله للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخمس الرسول للإمام (عليه السلام)، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام (عليه السلام)، واليتامى هم يتامى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم).
وأمّا سبب كون سهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل هو للسادة لأنّ الله حرّم الصدقة على من هم من نسل هاشم من جهة الأب كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الرواية التالية:(إنّ الله لا إله إلاّ هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال).
وأمّا سهم الإمام (عليه السلام) فهو المتعارف صرفه على كلّ ما يقوي أركان الإسلام وازدياد المؤمنين وتثبيتهم على دينهم وعلى بناء المشاريع والصرف على المحتاجين من السادة من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل كما سوف نبيِّن ذلك في محلّه.
وأمّا الأدلّة على وجوب الخمس في الموارد التي يذكرها الفقهاء فهي التالية:
1- عن العبد الصالح أي الإمام الكاظم (عليه السلام) قال : (الخمس خمسة أشياء، من الغنائم ومن الغوص والكنوز ومن المعادن).
2- عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) :(فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يُعرف صاحبه والكنوز الخمس).
3- عن الإمام أبي جعفر الثاني (عليه السلام) حيث كتب إليه بعض أصحابه عن الخمس فسأله :( أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل منه قليلٌ وكثير من جميع الضروب وعلى الصُفَّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب (عليه السلام) بخطه: " الخمس بعد المؤنة").
4- عن أبي عبيدة الحذّاء: قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : (أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرض فإنّ عليه الخمس)، ورواية ثانية عن الصادق (عليه السلام): ( الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس).
5- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال فإنّ الله عزّ وجل قد رضي من ذلك المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبه يُعلَم).
6- عن إبن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) :(الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟، فكتب (عليه السلام): "بعد المؤنة").
من هذه الروايات ومن خلال تفسير الآية الكريمة نجد أنّ الفقهاء قد أوجبوا الخمس في سبعة عناوين هي التالية:
1- غنائم الحرب التي يغنمها المسلمون من أعدائهم في المعارك والحروب.
2- المعادن وهي التي يستخرجها الإنسان من الأرض كالذهب والفضّة وغيرهما.
3- الكنز وهو المال المدفون في الأرض سواءٌ في أرض الإسلام أو أرض الكفر.
4- الغوص وهو كلّ ما يستخرجه الإنسان من البحر كاللؤلؤ والمرجان وغير ذلك.
5- ما يفضل عن مصاريف الإنسان السنويّة المعبَّر عنها شرعاً ب"المؤنة".
6- الأرض التي يشتريها االذمّي من المسلم، والذمّي هو الداخل في عهد مع المسلمين فيكون دمه وماله وعرضه حراماً على المسلمين كحرمة هذه الأمور بين المسلمين أنفسهم.
7- المال الحلال المختلط بالحرام وله أسبابٌ عديدة كالتّجارة بالمحرّمات وغيرها وما شابه بشرط عدم العلم بمقدار الحرام ولا بتشخيصه من بين أمواله.
والحمد لله ربّ العالمين.