اليانصيب – موارد الحرمة والجواز
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3995
والجواب بشكل مختصر هو )أن الشريعة الإسلامية ليست في وارد التضييق على الناس ومنعهم من تطوير كل الوسائل الكفيلة بتأمين الحياة بأسهل السبل وأيسرها وأفضلها كلفة ومشقة على الناس، إلا أن هناك حدوداً وضوابط لا يمكن أن يتم تجاوزها بسبب بعض الطروحات أو الأفكار التي يبتدعها بعض الأفراد أو الجماعات وتكون مخالفة للمسار العام الذي يريدنا الإسلام أن نلتزم به في حياتنا ومعيشتنا، كما في المسألة مورد البحث، حيث أن المنشأ والمبرر عند الكثير من الناس للحديث عن ضرورة تحليل الإسلام لها ان الإنسان حر في التصرف بماله، مضافاً إلى أن شراءه لورقة اليانصيب قد تجعله يربح مقداراً مهماً من المال يستعين به على قضاء حوائجه الدنيوية وغير ذلك من المسائل والوسائل اللازمة لحياته، أو أن مردودات شراء أوراق اليانصيب يعود في الكثير منه إلى المشاريع الخيرية والخدمات الاجتماعية والإنسانية ، وعليه فالشراء هو أشبه بالتبرع بالمال الذي لا حرمة فيه شرعاً ولا مانع منه، أو أن الورقة المشتراة لها قيمة مالية ويشتريها الإنسان بماله من هذه القيمة بغض النظر عن الربح الذي قد يحصل أو لا يحصل.
وسبب تحريم شراء أوراق اليانصيب هي أنها نوع من أنواع القمار وأداة من أدواته، ومن الواضح أن القمار محرم في الإسلام بنص القرآن ونصوص السنة النبوية ، فمن القرآن قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) . ومن الروايات : (النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة، وكل ما قومر عليه فهو ميسر).
وفي الرواية قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما الميسر؟ قال(صلى الله عليه وآله وسلم) كل ما يقمر به حتى الكعاب والجوز).
وأما معنى القمار لغة فهو الرهن على اللعب بشيء و قمر يقمر قمراً يعني راهن ولعب في القمار وبعبارة شاملة (القمار هو مصدر كل لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئاً سواء كان بالورق أو بغيره).
وبعبارة أوضح إن السبب الأساس لحرمة اليانصيب هو أن الورقة المشتراة لا قيمة مالية لها تساوي الثمن المدفوع في مقابلها، وذلك لأن الورقة بما هي لا قيمة ذاتية لها كما في شراء مواد الأكل والشرب واللبس وغير ذلك، فهذه الأمور لها قيمة ذاتية سواء بادلها الإنسان بما لها من القيمة المالية أو بادلها بسلعة أخرى تكون مورد الحاجة، بينما ورقة اليانصيب عندما نشتريها، لا نشتريها بما لها من قيمة ذاتية بل لأنها تجعل مشتريها أحد الأفراد الداخلين في حق الاقتراع الذي سيجري بحيث لو صادفت القرعة الأرقام الموجودة على ورقته المطابقة يحقق ربحاً مالياً، وهذا السبب وهو حق القرعة ليس كافياً لتجويز شراء الورقة تلك ودفع المال بأزائها.
وهنا قد يقول البعض إن العقلاء يرون أن مثل هذا الشراء لا مانع منه لأن حق القرعة الذي يثبت للمشتري يكفي لدفع المال ثمناً لورقة اليانصيب، والجواب أن مثل هذا المبرر لا يكفي من الناحية الشرعية لرفع اليد عن دليل أكل المال بالباطل الثابت في مورد شراء تلك الورقة ،لأن كونها غير ذات قيمة ذاتية يجعل دفع المال ثمناً لها من مصاديق أكل المال بالباطل الذي هو محرّم شرعاً، ولذا ورد عندنا في الحديث أنه (إذا حرّم الله شيئاً حرّم ثمنه).
وما يؤكد تحريم بيع وشراء أوراق اليانصيب هو عدم وجود منفعة محللة للورقة المشتراة، لأن منفعتها مقتصرة على مطابقة أرقامها للأرقام التي تخرج بالقرعة، وهذه المنفعة نادرة الحصول في كل عملية اقتراع، والمنفعة النادرة الشاذة ملحقة بالعدم، وبناءً عليه لا تكون الأدلة الواردة حول إلزامية العقود شرعاً شاملة لمثل عقد بيع ورق اليانصيب.
وعليه بما أن اليانصيب محرّم فإن بائع هذه الأوراق يكون ضامناً لثمن الأوراق التي يبيعها ، وعليه رد الثمن لأصحابها لعدم جواز تملُّكه شرعاً، وكذلك الرابح بالقرعة يكون ضامناً للمال الذي يربحه لأصحابه الواقعيين المأخوذ منهم، ويجب عليه رده إليهم إذا عرضهم لأنه لم يملك ذلك المال من الناحية الشرعية، ودليل الضمان هنا هو الدليل الذي يقول : (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).
ولهذا نرى ان محاولة التمويه على الناس و إلباس هذه العملية- شراء الأوراق- لباس الإباحة والتحليل و القول بأن أموال اليانصيب تذهب للمؤسسات الخيرية والاجتماعية وما شابه ذلك، وعليه فالعملية أشبه بالتبرّع الذي لا مجال للتشكيك في حليته شرعاً وهذا التبرير هو وهم وخداع.
والجواب هنا واضح أيضاً إذ أن الداعي لكل من البائع والمشتري هو عملية القمار المحرمة شرعاً ، فالعملية تبقى محرمة شرعاً، ومجرد التبرير بمثل هذا المبرر لا ينفع للتحليل، وبمعنى آخر لو لم يكن في العملية ربح مقدر لو خرجت قرعة الأرقام باسمه لما اشترى الورقة ودفع الثمن في مقابلها.
وأما الرد على أن الإنسان حر في التصرف بماله، فهذا الكلام وفق المبدأ الأساس صحيح لأن الحديث الشريف يقول بأن: (الناس مسلّطون على أموالهم) إلا ان هذه السلطنة مقيدة بموارد الجواز والحلال من الناحية الشرعية، ولذا لا يجوز للإنسان صرف ماله في المحرمات كالقمار والخمر والزنا وأمور اللهو اللغو كالغناء والموسيقى المحرّمين في الإسلام إذا كان على النحو المتعارف عند أهل الفسق والفجور.
من هنا يجب على من يبيع هذه الأوراق أو يجب على من ربحها أن يرد المال لأصحابه، وإذا لم يتمكن إما لعدم معرفتهم كما هو الواضح والمعروف في مثل هذه الحالة، فإن هذا المال يصبح معدوداً من نوع "مجهول المالك" الذي يجب التصدق به للفقراء والمساكين والمحتاجين من الناس بإذن الحاكم الشرعي المولّى شرعاً على مجهول المالك بإذن الشرع الحنيف.
يبقى أن نشير إلى نوع من أنواع ما نسميه باليانصيب اليوم وهو ما تفعله الكثير من المؤسسات والشركات والمحال التجارية الكبيرة التي تسعى لاجتذاب الزبائن فتوزع على من يشتري منها بقيمة معينة أو غير معينة أوراقاً مرقمة ثم يربح من يخرج رقمه بالقرعة جائزة معينة، فهذا اليانصيب لا محذور فيه شرعاً ولا مانع منه، والسبب واضح وهو أن المشتري يشتري سلعة لها قيمة ذاتية، ويتنافس الناس في الحصول عليها ، سواء أكان هناك يانصيب أو لم يكن، لكنه من يبيع بهذه الطريقة يريد ترغيب المشتري والناس عبر تقليل ربحه من خلال اقتطاع جزء منه وجعل جوائز يدفعها لبعض المشترين الذين تخرج أرقام القرعة مطابقة للأرقام الموجودة معهم، فمثل هذا اليانصيب ليس محرماً، لأن شراء السلعة ذات القيمة الذاتية هو الأساس لأنها مورد حاجة الإنسان في أمور حياتية، ومسألة اليانصيب هي على الهامش وليست المقصودة بالأساس حتى تكون محرمة كما في مورد شراء ورقة اليانصيب من دون إضافة مالية ذاتية إليها.
من كل ما سبق نصل إلى ما نريد قوله في الختام وهو ( أن على الإنسان أن يبحث عن رزقه ويسعى إليه من خلال الوسائل الحلال التي لا شبهة فيها ولا شك طبقاً للحديث ،( العبادة سبعون جزءاً أقلها طلب الحلال ( وهذا النوع من الرزق الذي يسعى الإنسان نحوه هو الكسب المبارك والمحلل الذي إن صرفه الإنسان في حوائجه كان مرتاح البال والضمير، آمناً مطمئناً من كل الجوانب الشرعية والأخلاقية.
والحمد لله رب العالمين