دور المعاملات
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3883
وللمعاملات في الإسلام شرط أساس هو عدم مخالفة هذه الأنظمة للشريعة الإسلامية، لا في أصولها ولا في فروعها، لأن الإسلام يريد من الإنسان أن ينسجم مع الأهداف الإلهية للحياة على كل المستويات، فكما نظّم علاقة المسلم بربه في مجالات العبادات، نظّم له علاقته مع الناس الآخرين لإعطاء كل هذا النوع من الإحتياجات البُعد الإلهي لتتكامل دورة الحياة الإنسانية، فلا يرتقي الإنسان حينها من جانب ويسقط من جانب آخر، بل تكون كل الجوانب متفاعلة مع بعضها البعض، فيتزود المعاني الروحية والإيمانية من العبادات ليستعين بها على المعاملات، لينتج عن كل ذلك التفاعل مساراً إيجابياً مليئاً بالنفع والخير لصاحبه وللناس من حوله.
ولهذا لم يفتح الله الباب في المعاملات على مصراعيه أمام الإنسان، فجعل فيها الحلال والحرام حتى يكون ذلك وسيلة من وسائل التربية المتكاملة، وحتى يأخذ المسلم جانب الحلال من كل شيء ويترك جانب الحرام، وقد وردت الأحاديث الكثيرة مما يشير إلى ذلك مثلاً (أفضل العبادة طلب الحلال) أو (العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال)، ومن هنا تقول الآية الكريمة: (أحل الله البيع وحرم الربا) على مستوى الكسب المالي، لأن المال أمر مهم في حياة الإنسان، لكن الله لا يريد أن يكسب الناس هذا الشيء من أي سبيل لا يرتضيه كما هو (حال) الكثيرين ممن أضاعوا الصراط المستقيم، وهكذا على مستوى السياسة فلا يريد للإنسان أن يحكم الآخرين من موقع القوة المجردة والظلم، بل من موقع العدل والإحسان، وكذلك على مستوى الأكل والشرب وإشباع الغرائز يريد منا أن نستفيد مما حلله لنا دون ما حرمه علينا، ولهذا نجد الآية تحرم علينا أكل اللحم الميتة وهي التي ذُبحت ولم يُسَمَّ عليها، وكذلك تحريم شراب المسكرات والأمور القذرة الأخرى المتعارفة في عالم البشر اليوم والذين يتعاطونها كأنها شيء عادي جداً مع إعترافهم بأضرارها وأخطارها الكثيرة عليهم وعلى حياتهم جسدياً ومعنوياً.
وهذا كله إن دل على شيء فهو يدل على النظافة التامة التي يرغب بها الإسلام للإنسانية كافة، لتكون كل هذه الحياة الدنيا بأبعادها المادية والروحية مظهراً من مظاهر عظمة الله ، وتجلياً من تجليات إبداعاته المتعددة في هذا الكون الرحب الفسيح.
فعندما لا نكسب المال إلا من طرق الحلال، وعندما لا نأكل ولا نشرب إلا من الحلال، وعندما لا نشبع شهواتنا إلا من حيث أمرنا الله، وعندما نصرف أوقات فراغنا فيما يرتضيه الله منا، وعندما نحكم الناس بالعدل والتقوى، فلا شك أن هذه الحياة الإنسانية هي نسخة مصغرة عن حياة الجنان والخلد عند الله يوم القيامة، مضافاً الى ما سوف تتميز به هذه الحياة من كل معاني الخير والإستقامة والفضيلة والتعاون والتآخي، وما تشكل مثل هذه الطريقة النموذجية في جذب المنحرفين وإرجاع المشككين وإصلاح سيرة الفاسقين من الأفراد الذين قد لا يهتمون بهذه الأمور ولا يقيمون لها وزناً في حياتهم.
من هنا نعتبر أن المعاملات في الإسلام عندما يلتزم بها المسلمون في حياتهم فهم بهذا يمارسون قدراً مهماً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمكن القول إن تطبيق المسلم للمعاملات قابل لكي يتحول إلى عمل عبادي كالصلاة والصيام عندما يفعله المسلم على الوجه الصحيح متقرباً به الى الله سبحانه وتعالى.
ولا شك أن فتح هذا الباب الواسع والرائع أمام المسلم لكي يعي أن كل حياته لله، فعندما يذهب لعمله أو تجارته أو مهنته فهو إنما يمارس عملاً مشبعاً بالروح من موقع حسِّيته وماديته وتجسُّمه الخارجي، وبهذا لا يعود هناك فارق عند المسلم في كل حركات حياته وكل علاقاته، فهي تتكامل مع بعضها البعض وتتفاعل بالطريقة التي تضفي على المادي بُعداً روحياً تربوياً إيمانياً، وتعطي للروحي أبعاده المادية في كل الجوانب الإنسانية.
من هنا دعوتنا لكل الملتزمين لأن يكونوا مثال الصفاء والنقاء في معاملاتهم مع كل الناس، وأن يلتفتوا الى أن الطريقة الإسلامية الصحيحة في تطبيق هذه الأمور يكسبهم قوة في الدين وثقة عند الناس وتقريباً للإسلام الى المبتعدين والمنحرفين والتائهين، فيكونون بذلك ممن يعبدون الله في كل عمل يقومون به سواء أكان تجارة أو حرفة أو مهنة أو إختصاصاً أو غير ذلك من أنواع الأعمال التي تزخر بها الحياة الدنيا.
والحمد لله رب العالمين.