الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

نظرة الإمام إلى الطبقات الحاكمة

sample imgage

إنّ الباعث على كتابة هذه المقالة بالخصوص هو القرارات التي اتّخذتها الحكومة اللبنانية مؤخّراً، والتي تعتبر نتائجها أشبه بالكارثة – إن لم تكن كارثة حقيقية – على جماهير هذا الشعب المستضعف الذي لم يعد قادراً على تحمّل الضرائب الباهظة المفروضة عليه في الكثير من احتياجاته الأساسية.

وللإمام الخميني "قده" في مجال الحديث عن نفسية أمثال هذه الطبقات الحاكمة – التي لا تتماشى في خططها وبرامجها وقراراتها مع آمال الناس وطموحاتها، ولا تراعي آلام الناس والتخفيف منها – كلمات مهمّة تنفذ إلى عمق النفسيات المتحكمة بتوجّهاتها الدنيوية السلطوية فتحلّلها وتكشف عن سقوطها أمام المغريات وارتهانها للأنانيات التي تختصر الحياة والمجتمع والإحتياجات وتجعلها على مقاساتها من دون أخذ أيّ شيءٍ آخر في الإعتبار.

 

ويقول "قده":(في اليوم الذي توجد فيه زخرفات الدنيا ويجد الشيطان له طريقاً فيما بيننا ويصبح هو مرشدنا فإنّ الإستكبار سوف يستطيع أن يؤثّر فينا حينئذٍ ويجرّ وطننا نحو الفناء، لقد كان وطننا دائماً وبواسطة سكان القصور هؤلاء يُجرُّ إلى الفناء، إنّ سلاطين الجور هؤلاء كلّهم كانوا تقريباً سكان القصور، وهؤلاء لا يستطيعون أن يفكّروا بالناس، لا يستطيعون أن يحسّوا ما هو الفقر؟ وماذا يعني أن يكون الإنسان بلا مأوى؟ إنّهم أصلاً لا يستطيعون أن يدركوا هذا الإحساس، وعندما لا يحسّ الإنسان بمعنى الفقر ومعنى الجوع فإنّه لا يستطيع أن يفكّر بالجياع والبؤساء، ولكن الذين تربّوا وكبروا في هذا المجتمع وأدركوا وأحسّوا ما هو الفقر، ورأوا وذاقوا الفقر وكانوا يلمسون ما هو الفقر، هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يهتمّوا بحال الفقراء).

ويعتبر الإمام "قده" أنّ السبب الرئيس في توجّه الطبقات الحاكمة هذه نحو الدنيا والتكالب عليها هو الإبتعاد عن الله عزّ وجلّ، وعدم رعاية الموازين الأخلاقية والإيمانية والسلوكية ويقول: (إنّ أمتنا الإسلامية التي هي المكافح الحقيقي وصاحبة القيم الإسلامية قد أدركت جيداً أنّ الكفاح لا يتوافق مع طلب الرفاه،... والذين يتصوّرون أنّ الرأسماليين والمرفّهين واللامبالين ينتبهون بالنصيحة والموعظة والحكمة وينضمّون إليهم ويساعدونهم فإنّهم كمن يدقّ ماء في "هاون" إنّ موضوعي الكفاح والرأسمالية، والثورة وطلب الراحة، وإرادة الدنيا والتفتيش عن الآخرة، إنّما هما مقولتان لا تجتمعان أبداً...).

لهذا نجد أنّ الإمام "قده" يوصي باستمرار ويؤكّد أيضاً على ضرورة أن يكون هناك اهتمام من جانب المسؤولين في كلّ مواقع الإدارة والدولة بوضع الفقراء، وضرورة رعاية حقوق الطبقات المستضعفة بالدرجة الأولى، باعتبار أنّ هؤلاء هم الأكثرية التي إن لم يكن هناك رعاية لشؤونهم على مستوى مسؤولي الدولة فهذا يعني إيقاعهم في ضوائق إجتماعية متنوّعة مُضافاً إلى تعريض أوضاعهم الإيمانية والسلوكية والأخلاقية والإقتصادية الصعبة للخطر، ويقول: "قده" (...هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يهتمّوا بحال الفقراء، يجب أن نسعى إلى أن تبقى هذه الوضعية (الإهتمام بالفقراء) محفوظة بيننا، في مجلسنا – مجلس النواب -، في مؤسساتنا الحكومية، عند مجاهدينا، في جيشنا والقوات المسلّحة، يجب أن تبقى هذه الروحية في قوانا القضائية، يجب أن يبقى التوجّه إلى الله محفوظاً).

ويبيّن الإمام "قده" أنّ هؤلاء المستضعفين وأبناء الطبقات المحرومة هم الأوفياء والمخلصون الذين يقفون مع من يساعدهم ويدافع عنهم في مواجهة الطبقات الحاكمة المستغلّة باعتبار أنّهم الضحية المباشرة لكلّ ما يتنعّم به أبناء الطبقات المسيطرة على السياسة والمال والإقتصاد والإدارة في الدول التي لا تقيم أنظمتها على أسس العدالة الإجتماعية والإنسانية. ويقول "قده": (ووحدهم الذين يبقون معنا إلى آخر الخط هم أولئك الذين أحسّوا وذاقوا الفقر والحرمان والإستضعاف...).

ولهذا يعتبر الإمام "قده" أنّ ثورة الفقراء والجياع والمستضعفين في مواجهة الطبقات الحاكمة غير المتلفّتة إلى المفاسد والأضرار التي تتسبّب بها قراراتها الجائرة والظالمة بحقّ الفئات المسحوقة هي ثورة مشروعة ولا يمكن لأحدٍ أن يعتبرها نوعاً من الفوضى أو العبثية ويقول: (إنّ خلق الساقطين وملكية الجنائن وسكن القصور يبعث على الإنحطاط الخلقي، ويجب أن نجهد في تخليص هذه الأمّة من أخلاق أصحاب القصور).

ومن هنا يعتبر الإمام "قده" أنّ استمرار الدول بنسبةٍ كبيرة يتحقّق بالحفاظ على مصالح تلك الفئات الشعبية المقهورة والفقيرة ويقول :(طالما أنّ الحكومة والمجلس والجيش ليسوا من الطبقة المرفّهة الرأسمالية فإنّ الدولة محفوظة، ولو أنّكم وجدتم في الجبهة نفراً واحداً من أولئك الرأسماليين الكبار فخذوا جائزة).

ولا شكّ أنّ الدولة إذا كانت إسلامية فإنّها تستطيع أن تحقّق هذا المعنى من العدالة الإلهية الإجتماعية، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ العدالة النسبية لا يمكن أن تتحقّق في غير تلك الدولة، ولهذا فإنّ المطلوب هو مراعاة التوازن الإجتماعي ولو كانت الدولة غير متقيّدة بأحكام الإسلام، لأنّ الإحتياجات المادية مشتركة بين البشر جميعاً الذين تجمعهم رابطة الإنسانية المتوحّدة في متطلباتها الحياتية بغض النظر عن العقيدة أو التوجّه الفكري الذي قد يتعدّد بينهم.

والحمد لله ربّ العالمين