مبدأ ولاية الفقيه
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3279
لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أنّ مبدأ ولاية الفقيه أصلٌ ثابت في الشريعة الإسلامية، وذلك لأنّ الولاية للفقيه هي الإمتداد الطبيعي بحكم منطق التسلسل إلى ولاية الأئمة ( عليهم السلام) وولاية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن ذلك الأصل الثابت تستمدّ ولاية الفقيه موقعيتها الريادية وقوّتها في إلزام المسلمين بالطاعة للولي الفقيه، ولهذا يقول الإمام الخميني "قده" عن هذه المسألة ما يلي: (إنّ ولاية الفقيه هدية قد أعطاها الله تبارك وتعالى للمسلمين)، ومن هنا يستنكر الإمام أشدّ الإستنكار على أولئك الذين يقولون بعدم وجود ولاية للفقيه في الإسلام ويقول: (الذين يقولون أنّه لا يوجد عندنا في الإسلام ولاية للفقيه، ليسوا مطّلعين ما داموا يقولون هذا. إنّ ولاية الفقيه كانت وما تزال منذ زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحتّى الآن).
ثمّ ينتقل الإمام "قده" ليوضح أنّ منشأ هذه الولاية هو الله عزّ وجلّ، وهي ليست من مخترعات البشر أفراداً وهيئات، كالمراجع مثلاً ومجلس الخبراء، بل هي الولاية التي أعطاها الله لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولاً ثمّ من بعده للأئمة ( عليهم السلام)، ثمّ في عصر غيبة ولي الله الأعظم "عج" للفقهاء الذين ينوبون عن الحجّة بإدارة شؤون الأمّة.
بعد هذا يوضح الإمام "قده" أنّ الولاية للفقيه لا تعني التسلّط أو الديكتاتورية والقهر لإرادة المجتمع، بل هي لمحاربة أيّ نوعٍ من أنواع القهر والطغيان، لأنّها عبارة عن الميزان الذي يضع الأمور في مواضعها الصحيحة من خلال حركة الإشراف الدقيق على كلّ إدارات الدولة الإسلامية وشؤون المجتمع الإسلامي لكي تتحقّق عملية الضبط من جهة، وتتكامل الحركة ما بين الدولة والشعب لتسير قدماً نحو الأهداف العليا للإسلام، وفي هذا يقول الإمام "قده" :(ليست ولاية الفقيه شيئاً أوجده مجلس الخبراء، إنّ الله تبارك وتعالى هو الذي أوجد ولاية الفقيه، وهي ولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... لا تخافوا من ولاية الفقيه... ليست ديكتاتورية، نحن نريد أن نقف بوجه الديكتاتورية، ولاية الفقيه إنّما هي الولاية على الأمور بحيث أنّها لا تسمح لها بأن تخرج عن مجاريها، ولاية الفققيه تراقب المجلس، وتراقب رئيس الجمهورية لكي لا يخطو خطوة خاطئة، وتراقب رئيس الوزراء لكي لا يقوم بعملٍ خاطىء، تراقب كلّ المؤسسات، تراقب الجيش لكي لا يرتكب عملاً مخالفاً).
ثمّ يعطي الإمام "قده" مثلاً من إعمال الفقيه لولايته فيقول "قده" :(في نفس الوقت الذي احترم فيه الشارع المقدّس الملكية، فإنّ ولي الأمر يستطيع أن يحدّ هذه الملكية المشروعة بحدٍّ معين وتصادر من صاحبها بحكم ولي الفقيه حين يرى أنّها مخالفة لمصلحة الإسلام والمسلمين).
ومن أجل هذا يرى الإمام "قده " إنّ أصل ولاية الفقيه مقدَّم على كلّ الأحكام الفرعية حتّى تلك المتعلّقة بربط المؤمن بربّه في مجال العبادات كالصلاة والصوم والحج، وذلك نظراً للدور الذي يلعبه هذا الأصل في حياة الأمّة ويقول :(يجب أن أقول إنّ الحكومة التي هي فرعٌ من الولاية المطلقة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما هي واحدة من الأحكام الأولية للإسلام ومقدّمة على كلّ الأحكام الفرعية حتّى الصلاة والصوم...).
من هذه النصوص المتفرّقة عن الإمام الخميني "قده" يتّضح أنّه ينظر إلى ولاية الفقيه على أنّها الأصل والمحور الذي تدور حوله كلّ أحكام الإسلام، وبعبارةٍ أخرى فإنّ ّولاية الفقيه هي المظهر العملي لتطبيق الشمولية في الطرح الإسلامي على أرض الواقع، حتّى لا يصل هذا الطرح من دون المرجعية القائدة والمتولّية إلى إفراطٍ أو تفريط أو انحرافٍ لا سمح الله عن الأهداف والغايات.
لهذا يمكن القول أنّ الولاية للفقيه هي الضمانة الأكيدة في شرعنا الإسلامي المقدّس، خصوصاً مع ملاحظة المواصفات المطلوبة والمحدّدة في النصوص الواردة والمفروض تحقّقها في شخص الولي الفقيه كضمانةٍ على حسن التطبيق ومنع الإنحراف والإبتعاد، وحسماً للقرارات عند تعدّد الآراء وتضارب الأفكار والمقترحات.
فالولي الفقيه من موقعيته القيادية ومرجعيته الأساسية للأمّة في كلّ ما يهمّ شؤونها العامّة في المجالات المختلفة هو المصوِّب والمصحّح للمسار وهو العين الساهرة والرقيبة على الأمّة، ومن هذا الموقع يكتسب الفقيه حقّ طاعة الأمّة له، كما كان ينبغي عليها أن تطيع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة ( عليهم السلام).
من كلّ ما سبق نجد أنّ الإمام "قده" يؤكّد على ضرورة أن يقوم كلّ العلماء – بالخصوص منهم أئمة الجمعة والجماعة الذين هم على تواصلٍ مع القاعدة الإسلامية العريضة – بواجب تثقيف الأمّة وتنوير أذهان الناس حول أهمية هذا الأصل الثابت الذي به ومن خلاله تسير الأمّة نحو الأهداف المرسومة لها إلهياً بخطى ثابتة لا تزلزل فيها، وفي هذا المجال يقول "قده" :(آمل من أئمة الجمعة أن يتابعوا مسألة ولاية الفقيه المطلقة، وأن ينوّروا الأذهان غير المطّلعة في خطب الجمعة، وأن يقطعوا لسان أعداء الإسلام).
والذي يكن استنتاجه من هذا العرض كلّه:
أولاً: أنّ ولاية الفقيه ليست بدعة، بل هي من الأصول الثابتة في الشريعة لأنّها الإمتداد لولاية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)، والنائبة عن الإمام الحجّة ( عليه السلام) زمن الغيبة.
ثانياً: هي القائدة والمتولّية للإشراف على حسن تطبيق شمولية الطرح الإسلامي.
ثالثاً: هي التي تحدّد الأولويات وتصدّر القرارات لتنفّذها الأمّة في كلّ المجالات.
رابعاً: هي التي تتصدّى لمنع الإنحرافات أو الإبتعاد أو الخطأ في تصرّفات المسؤولين الأساسيين عن تطبيق النظام الإسلامي.
خامساً: وجوب طاعة الأمّة لأوامر الولاية لأنّها المؤتمنة على مصير الإسلام والأمّة.
لهذا كلّه لا يمكن إنكار ثبوت هذا المبدأ في الإسلام، بل هو من ضرورات شمولية الطرح الإسلامي، لأنّ هذه الشمولية يمكن أن تتعرّض للتفكيك في حال عدم الإيمان بهذا الأصل الذي يرعى حركة التطبيق للشريعة في أرض الواقع ليعطي لكلّ نوعٍ من أنواع حركة الأمّة القرار الذي يتوافق مع المصالح العليا للأمّة ويجنّبها الوقوع في المفاسد والأضرار.
والحمد لله ربّ العالمين