الولاية والشهادة
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3372
إنّ ولاية أهل البيت (عليهم السلام) إذن هي المموّل والمذخّر عبر التاريخ لكلّ هؤلاء الأتباع الذين رفضوا أن يتخلّوا عن تلك الولاية مع كلّ الضغوطات والمؤامرات، والدسائس التي حيكت عبر العصور من أجل التخلّص من هؤلاء الذين قتلوا إلى الآن الإسلام الصافي بمنابعه وأحكامه وسيرته وتراثه وأخلاقياته. هذا الإسلام الذي كان يحلو للإمام الخميني (رض) أن يعبّر عنه بالإسلام المحمدي الأصيل. نحن نفتخر بأنّ هذا الإسلام هو الموجود عند شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لا غروراً ولا تكبّراً، بل لأنّه الحقيقة التي دافع عنها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لكي تبقى ناصعة مشرقة وضّاءة وقادرة على إنجاء وإنقاذ الإنسانية من كلّ الفساد والإنحراف.
ولهذا لا يمكننا أن نفصل الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) والشهادة التي هي إحدى أبرز السمات والمواصفات لسالكي طريق أهل البيت (عليهم السلام) ، فالأئمة (عليهم السلام) هم الذين جمعوا بين كونهم الأولياء والأدلاّء على الله، وبين كونهم الشهداء (عليهم السلام) الذين تعمّدت ولايتهم بشهادتهم فكانوا الأولياء الشهداء الذين عطّروا بدمائهم العزيزة الغالية الإسلام، وافتدوا هذا الدين بأحلى الصور وأجمل المعاني من خلال عاشوراء وكربلاء الإمام الحسين (عليه السلام) الذي ضحّى بنفسه وولديه وأخوته وأبناء عمومته وبسبي زينب (عليها السلام) وسبي بناته ونسائه.
إذاً هذان المفهومان والشعاران الرائعان الولاية والشهادة، هما اللذان ميزانا عبر التاريخ وهما اللذان يعطياننا في زماننا هذا القوّة والإستقامة في الثبات على خطّ الإسلام الأصيل من خلال ولايتنا لولي أمر المسلمين آية الله العظمى الإمام الخامنئي الذي ينوب في قيادة الأمة وحمل لواء المسيرة عن مؤسّس ومفجّر الثورة الإسلامية الإمام الخميني (رض)، هذان القائدان اللذان عرفا وبالأخص الإمام الخميني (رض) كيف يستثمر كلّ تاريخ الولاية، وكلّ تاريخ الشهادة عبر العصور لكي يعيد الإسلام بقوّة ليلعب دور الإنقاذي للمسلمين ولكلّ البشرية، لأنّ الإسلام ليس ديناً مختصّاً بالمسلمين.
إذاً نحن من خلال عنصري الإستقامة والقوّة اللذين يعتبران سمتين بارزتين لشيعة أهل البيت، يمكننا أن نعتبر أنّ الإستقامة على خطّ الإسلام وأنّ الإلتزام بأحكام الإسلام، وأنّ تطبيق نهج الإسلام تطبيقاً رائعاً نموذجياً، هو نتيجة ولايتنا وارتباطنا واعتقادنا بأنّ أئمّة الحق، أنّ أئمة الهدى هم أهل البيت (عليهم السلام)، وقوّتنا هي نتيجة خطّ الشهادة الحمراء التي سطّرها أئمتنا (عليهم السلام) في الحياة الدنيا. الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون} صحيح أنّ الله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظ قرآنه من أيّ زيادةٍ أو نقصان أو تحريف أو تزييف أو تشويه والذي لعب دوراً كبيراً وأساسياً في حفظ القرآن بهذه الطريقة أيضاً هي دماء أهل البيت (عليهم السلام) التي لعبت دوراً في منع تحريف وتزييف الكثير من أهداف ومعاني ذلك الكتاب الخالد الذي يشكّل دستور الأمّة ونهج طريقها في هذه الحياة الدنيا. إذاً الإستقامة والقوّة هذان العنصران اللذان يمثلان اليوم رمزي الصمود والصبر في مواجهة كلّ الفتن والمؤامرات وفي مواجهة كلّ الضغط الإستكباري الذي يمارس علينا بقيادة الشيطان الأكبر أمريكا كما كان يعبّر الإمام (رضوان الله عليه) وبقيادة إسرائيل على مستوى منطقتنا الإسلامية. فالإستقامة هي أبرز ثمار الولاية والقوّة هي أبرز ثمار الشهادة وهما اللذان يجعلاننا اليوم في موقع المتقدّم والقائد لمسيرة الحرب والقتال ضدّ هذا التسلّط الإستكباري والإستيلاء والغلو والتعالي، على الشعوب وإرادتها وقراراتها.
إنّ الذي يزرع في نفوس الشعوب القوّة والإرادة والقدرة على أن تقول "لا" لأمريكا هو نحن أبناء الإستقامة والقوّة تماماً أو كما كان الحسين (عليه السلام) في ذلك الزمن الذي سكت فيه الجميع بدءاً من حمل لقب صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو إلى أصغر فردٍ في الأمّة آنذاك. الكلّ سكت وخضع، الكلّ استسلم لإرادة حاكمٍ ظالمٍ مستكبر فاسق متهتك متظاهر بكلّ ألوان الفسق والفجور باسم خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). من الذي ثار ؟ من الذي قام ؟ من حمل دمه على كفّيه ؟ من رفع شعار الإصلاح ؟ الحسين (عليه السلام): (إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً)، هكذا المسلم وهكذا المفترض أن تكون روحية المسلم الملتزم في مواجهة الظلم. أن ينفر قلباً وقالباً، مضموناً وشكلا ً، يداً ولساناً، جوانح وجوارح، أن يرفض كلّ الإنحراف وكلّ الفسق، أن يعيش الضيق، أن يعيش الألم. بمعنى آخر أن لا يكون منسجماً مع كلّ هذا الإنحراف. الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال حديثه (إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة و ...) يعبّر عن الضيق والأسى والألم والحزن الذي وصلت إليه أمور المسلمين الذين أراد لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشريعة السهلة السمحاء، وأن يفتح أمامهم كلّ السبل والدروب والمسالك إلى الله وهي متعدّدة بتعدّد أنفاس الخلائق، فيأتي حاكم متهتّك مستهتر غير مبالٍ بالقيم، بالمثل، بالأخلاق، بالعفّة، بالفضيلة ليحبس على الناس أنفاسهم ويسدّ أمامهم كلّ طرق الوصول إلى الله، فلا يريها من الدنيا إلاّ الشهوات والملذات والرغبات. أليس هذا ما تفعله أمريكا في عالمنا ؟ أليس هذا ما تنشره الثقافة الإستكبارية في أوساطنا اليوم ؟ شبابنا الذين هم قوّتها المعنوية والمادية التي تقوّي الحاضر وتخطّط للمستقبل أمريكا تنشر كلّ أساليب النفاق والميوعة والتحلّل والتفلّت من كلّ الضوابط الأخلاقية والإيمانية والسلوكية والوجدانية وحتى الضمير، تريد لشبابنا وبناتنا، وأمهاتنا وأخواتنا أبائنا وأبنائنا صغارنا وكبارنا، أن يتحلّلوا من كلّ هذه القيود والضوابط الإلهية والإنسانية ليعيش الإنسان الحرية المطلقة في هذه الحياة الدنيا، فلا يرى فيها إلاّ نفسه والشهوة والسلطة والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة. لماذا يهتم الإعلام الغربي عموماً بالقضايا التافهة والقضايا التي تملأ أوقات الإنسان بأشياء لا تعود عليه بالنفع من أمور العبث واللغو والفساد والإنحراف. بينما مجتمع كامل يعيش ضائقة إقتصادية ومالية وإجتماعية وتربوية وصحية وما أشبه ذلك لا يأخذ حجمه من الإهتمام في الإعلام العالمي الذي تديره قوى الإستكبار إلاّ خبراً سريعاً يمرّ في إحدى نشرات الأخبار أو خبراً سريعاً يكتب بأسطر قليلة في صحيفة ما. أمّا عن أمور الفساد والإفساد والخلاعة والفسق ... وكلّ هذا الجو تراه يأخذ الصفحات الكثيرة من كلّ وسائل الإعلام والمساحات الواسعة في نشرات الأخبار. أو الأفلام السينمائية التي هناك إصرار على ترويجها بين أوساطنا وفي اجتماعاتنا عبر المهرجانات التي تقام في كلّ سنة ويحشدون فيها أفلاماً بذيئة وبشكلٍ متعمّد ومقصود لياخذوا شبابنا الملتزم بإسلامه إلى هذا الجو الفاسد، هذا هو الطريق الذي اختارته لنا أمريكا. هي أم القوى هي زعيمة النظام العالمي الجديد كما تريد أن توحي إلينا لتشبّع قلوبنا بذلك، ولنعيش اليأس والإحباط والإستسلام والقلق على الحاضر والمستقبل اذا لم نلحق بركابها ونطبق ثقافتها وعاداتها وتقاليدها ونسلم لقيادتها ... وزعاماتها للعالم.
اما الإرهاب مصدره إيران، التهديد النووي في العالم مصدره إيران، تهديد الأمن والسلم الدوليين مصدره إيران، وعندما يقولون إيران يقصدون معها أيضاً كلّ الرافضين للإنصياع والإستسلام لإرادة أمريكا.
فنحن معدودون على أنّنا جزء من هذه الحالة ولكنّهم يصرّحون علناً، ينبغي قتال كلّ فئة تحارب التوجّه السلمي في المنطقة يعني من ؟ "حزب الله في لبنان على رأس هؤلاء" يعني "حماس" يعني "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" شعبنا المسلم في لبنان الذي نفتخر ونعتبر بأنّنا جزء منه وهو يفتخر ويعتبر بأنّ المقاومة منه وله. هذا التفاعل الحي والرائع ما بين المقاومة وشعبها هو الذي يخيف أمريكا قائدة المنحى العبثي واللغوي الذي يتطابق مع أهداف من يقول: (إنّ هي إلاّ حياتنا الدنيا ...) والتي تصرّ على جرّنا إلى هذا المنطق، ونحن نصرّ من خلال ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ومن خلال الشهادة على أن نبقى المستقيمين الأتقياء. لن نتراجع عن هذا الأسلوب، لن نتراجع خطوة واحدة عن درب وخطّ ولايتنا لأهل البيت (عليهم السلام) وعن التمسّك بالشهادة طريقاً للتحرّر من كلّ عبوديات الأرض لنكون العبيد الحقيقيين لله سبحانه وتعالى. وهذا قمّة ما يمكن أن يسمو إليه الإنسان أن يرضى الله عنك من خلال كونك عبداً صالحاً. والله قد وصف أعظم عباده بأنّهم عباد صالحون {نِعم العبد إنّه أوّاب} نحن نطمح ونأمل بأن نكون العبيد الصالحين في هذه الدنيا وعلينا أن نسعى لأن نكون كذلك. وهذا ما يفترض أن يكون عليه كلّ إنسان شرط أن يلتفت إلى واقعه ونفسه وأن يسخّر أغلب أوقاته لأن يكون مع الله وأن يكون عمله في سبيل الله، وأن لا تكون الدنيا نصب عينيه وأن لا تكون المسؤولية حتى في خطّنا وفي منهجنا هدفاً له.
كن لله ليكن الله لك ومعك في كلّ وجودك وفي كلّ كيانك، قم بتكليفك على أنّه تكليف لا من أجل أن تصبح غداً شيئاً ما. قم بتكليفك لأنّه تكليف وليكن الهدف الأساس هو هذا. الحسين (عليه السلام) صار شعاراً ورمزاً للأجيال وعلماً تهتدي به كلّ الإنسانية عبر العصور لا لأنّه أراد أن يكون كذلك، بل لأنّه قام بتكليفه وكان التكليف متوجّهاً إليه فتحمّله من دون النظر إلى ما يمكن أن يستتبعه هذا التكليف. هذه الرواية التي نستقيها من ولاية أهل البيت (عليهم السلام) من خطّ الشهادة التي ميّزت أهل البيت (عليهم السلام) عن غيرهم من الخطوط والمسالك والمدارس الإسلامية الأخرى هو الذي جعلنا اليوم بعد أن أزيلت عنّا الضغوطات وارتفعت عنّا الفتن والمؤامرات أن نبرز بأجلى وأوضح صورة وأن نثبت للآخرين أنّ الإسلام قادر على أن يصنع الإنسان الذي يعيش العبودية الحقّة لله سبحانه وتعالى. هذا ما جسّده الإمام الخميني (رض) في حياته وهذا ما يجسّده اليوم السيد الخامنئي حفظه الله الذي يقود مسيرتنا ويتولّى أمورنا. ولهذا في الفترة الفاصلة ما بين هاتين المناسبتين نأمل أن تكون دورة الممهّدون الثانية عشرة باباً ينفتح من خلاله الأخوة جميعاً على الله سبحانه وتعالى. كما أنّ الأخوة الذين في دورة الأنصار التي شارفت على نهايتها، أن يعيشوا جميعاً هذا الجو، أن يكونوا جميعاً أوفياء لخطّ الولاية وخطّ الشهادة الذي أثمر النهج القويم من خلال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين تعمّدت ولايتهم في حياتنا بالشهادة، وما زال أتباعهم يعمّدونها بالشهادة، لتبقى الولاية منارة هدى وراية حقّ مرفوعة في هذا العالم لتضيء ليل الإنسانية وتبدّل هذا الظلام المنتشر الذي بدأ يتلاشى كما عبّر الإمام الخميني (رض) في خلال حياته: (بأنّ هذا القرن هو قرن انتصار المستضعفين على المستكبرين)، ونرى تباشير هذا النصر يوماً بعد يوم تتحقّق من خلال ازدياد الذين يعودون للتمسّك بإسلامهم في مواجهة كلّ المؤامرات والأساليب المنحرفة التي تبثّها أمريكا وإسرائيل وكلّ عالم الغرب من أجل أن يقفوا بمواجهة هذا المدّ النوراني المتعاظم ليعطي للأمّة أملا ً فاعلا ً متجدّداً بأن تنقذ حاضرها ومستقبلها من براثن القوى الإستكبارية. هذا الأمل لولا نعمة الولاية ولولا قضية الشهادة لما تحقّق، لهذا نحن مطالبون كأبناءٍ لخطّ الشهادة التي يقول عنها الإمام الخميني (رض) :(بأنّها تراث آل محمد وعلي (عليهم السلام)) . هذه الأمانة الكبرى هي مسؤولية عظيمة في رقابنا ينبغي أن نتحمّلها جميعاً وقد رأيتم عندما تحمّلناها بصدقٍ ووعي وإخلاص إستطعنا بسنوات قلائل أن نعطي القدوة والنموذج على صعيد استعادة أمجاد الأمّة واستعادة حقوقها واسترداد مقدّساتها. ما تحقّق إلى الآن إنجاز عظيم لا ينبغي أن نقلّل من حجمه وأثره، لا في لبنان فقط، بل في عموم عالمينا "العربي والإسلامي". شباب حزب الله الآن هم فخر الأمّة وشرفها وعزّتها مرتبطة بنا، فبمقدار ما نصبر ونستمر، وبمقدار ما نثبت، وبمقدار ما نزرع في جسد هذه الأمّة روحاً جهادية حسينية إستشهادية يمكننا أن نتوقع تغيّر الكثيرالكثير كلّه من نعم خطّ الولاية، ولا تستطيع الأمة أن تنتصر إلاّ إذا سرت روح الولاية فيها، والتي بدأنا نشهدها اليوم حتى عند غير الشيعة من المسلمين.
وإنّ غداً لناظره قريب.
والحمد لله ربّ العالمين