الخميس, 21 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

حول الهجرة النبوية

sample imgage

عندنا الكثير من القول والكلام عن التحولات الكبيرة التي تمخضت عن الهجرة النبوية المباركة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.

إلا أن الذي يعنينا هو الحديث عن النتائج المباشرة المترتبة عليها ، والتي حققت بمجموعها ذلك الاستنهاض الكبير الذي أدى عبر عشرات معدودات من السنين إلى أن تتوسع حركة الإسلام إلى أصقاع العالم آنذاك.

 

إن السبب الأساس لهجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو عدم توافر الظروف بالنحو الذي يساعد على نمو حركة التبليغ ونشر الرسالة بسبب الضغوطات النفسية والمادية التي كان يمارسها أصحاب القوة في المجتمع الجاهلي سواء على أهل مكة أو الوافدين إليها.

إن تلك الأجواء دفعت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتفكير في إيجاد الأرض البديلة التي يمكن أن تتوافر فيها الشروط الملائمة لإيجاد المجتمع الإسلامي البديل، ولهذا كان رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الطائف علّه يجد آذاناً صاغية فيها تساعده على تحقيق مثل ذلك المجتمع ، إلا أنه لم يجد من أهلها إلا الصد والأذى .

واستمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في محاولاته مع الوافدين إلى مكة ، وكان أن نجح مع أهل يثرب ، ثم تكرس ذلك النجاح بالبيعة والمعاهدة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يكونوا معه في السراء والضراء ، وأن يدافعوا عنه وعن الإسلام في مواجهة الآخرين الذين وقفوا طويلاً في مواقف المعارضة والقتال .

وبذلك توافرت الأرضية الصالحة لكي ينتقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبدأ بتاسيس أول مجتمع قائم على موازين الحق والعدل الإلهيين.

وعلى هذا القول فإن هدف الهجرة النبوية يمكن تحديده بنحو عام بالتالي وهو:

المقارنة بين النموذجين: باعتبار أن الناس قد لا تكون مستعدة لخوض تجارب غير مضمونة النتائج ، فتحتاج إلى ما يشجعها ويأخذ بيدها إلى البديل المطروح ، وقد تمكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقيادته الحكيمة الواعية لمجتمع المدينة من أن يعطي للمجتمع الإسلامي الحديث الصورة المشرقة عن عظمة الدين الجديد ومقدار ما يمكن أن يقدمه للإنسان من معنويات عالية ومكانة محترمة وآفاق واسعة للإبداع والارتقاء ، في مقابل نموذج المجتمع الجاهلي الذي كان يميز بين الناس عبر قوانين كرستها الفئات المتكبرة لتحكم بها ، والتي كانت تصنف البشر على أساسها بطريقة تتنافى مع الإنسان وقيمه.

إن ذلك المجتمع النموذجي الأول استطاع برعاية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون دافعاً مهماً نحو تقاطر الوافدين للدخول في الإسلام بسبب الفوارق الكبيرة التي لمسوها ما بين النموذجين.

والذي يمكن أن يكون مؤشراً لهذا الهدف هو الفارق الزمني للنتائج بين المرحلتين المكية والمدنية، إذ عبر ثلاث عشرة سنة لم يدخل في الإسلام إلا العشرات، لكن بعد ثمانية أعوام من الهجرة تمكن المسلمون من القضاء على المجتمع الجاهلي وأن يدخلوا مكة بقيادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليصل منها إلى ولادة عصر التوحيد الخاص وانتهاء عصر الأوثان والتماثيل.

ولا شك أن الذي أدى إلى تحقيق ذلك الهدف هو الإشراف المباشر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على حركة البناء الداخلي للمجتمع الأول وتحصينه من كل أنواع الاختراقات من الأطراف المضادة المتربصة ، ويعود الفضل أيضاً إلى الأخلاق الرفيعة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التعامل مع أبناء ذلك المجتمع والرعاية النبوية والأبوية في الوقت ذاته ، كما قال الله عز وجل في كتابه: ( فبما رحمة من الله لنت لهم) ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)

وبهذا يكون مجموع ما نستوحيه لحاضرنا من حركة الهجرة هو التالي: ( أنه في مقام التبليغ لا يكفي صحة العقيدة في ذاتها ، بل لا بد من تمتع العاملين وخصوصاً من هم في مواقع التأثير في الناس من التمتع بالمواصفات الأخلاقية التي تجعل مؤثريتهم مهمة وفاعلة ومنتجة ، ويمكن أن تكون موصلة للأهداف التي نعمل ونسعى من أجل الوصول إليها.

ولا بد للعاملين من التمتع بالمواصفات القيادية الحكيمة التي تجعلهم أكثرحرصاً وضماناً لمصالح العموم من خلال القراءة الواعية للأحداث واتخاذ القرارات التي تحفظ أو توازن ما بين متطلبات الحركة التبليغية والمصالح الآنية، لأن عدم التوازن ما بينهما قد يعطي عكس النتائج المطلوبة ويؤدي بالتالي إلى الإخلال المعوق الذي لا تخفى أخطاره في ظرف عصيب ودقيق كالذي نمر به حالياً .