علي “عليه السلام” النموذج الأكمل للحاكم العادل
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3225
وتذكر الآية "إقامة الصلاة" كتدليل على سعي أولئك الحكام المؤمنين إلى ترسيخ التوجهات الإيمانية نحو الله وفتح كل السبل لتقوية الارتباط بين الجماهير وربها عبر تشجيع الناس على العبادة والترغيب فيها كضمانة لتحصين كلٍ من الفرد والمجتمع بأقوى سلاح يمكن أن يستفيد منه الجميع في كل المجالات, لأن الحاكم العادل الملتزم بالنهج هو الذي يسعى إلى تركيز القواعد الإيمانية والأخلاقية بين أوساط المجتمع, وهو الذي يضرب بيد من حديد كل من يحاول الاندساس والتغلغل ليبعد الناس عن ربها من خلال نشر ثقافة التهاون أو الإهمال أو حتى التبرّؤ من أنماط العبادة التي تقوي العلاقات الإيمانية والتوجهات الروحية, وبعبارة أخرى فالحاكم العادل هو الذي يفتح كل السبل أمام الناس لتصل إلى الله من موقع حرصه على الأمة وحبه لأن تعيش مع الله في مسيرة حياة مليئة بكل ما يقرب الأمة من الأهداف الإلهية معنوياً وروحياً.
وتذكر الآية أيضاً "إيتاء الزكاة" ومن المعلوم أن الزكاة من المنظار الإسلامي هي من أهم دعائم الاقتصاد في دولة الإسلام ومن الأسباب الرئيسية للتكامل الاجتماعي والتوازن الذي لا بد منه بين طبقات المجتمع.
فذكر الزكاة إذاً هو عبارة عن تنظيم أوضاع المجتمع اقتصادياً بطريقة تجعل من الحياة لا بؤس فيها ولا شقاء من خلال إشراف الحاكم العادل على حُسن إدارة احتياجات الجميع فلا يطغى الغني بغناه من جهة, ولا يضطر الفقير إلى السرقة وتجاوز القوانين من أجل تحصيل العيش الكريم والشريف.
والحاكم العادل هو الذي يشدد على ضرورة أن تحترم الناس القوانين والأحكام من دون تهاون أو محاباة لأحد مهما علا شأنه وكبر مقامه, وقد ورد عن رسول الله “صلى الله عليه وآله” قوله: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، فالحاكم والمحكوم سواء أمام القانون الذي ينبغي أن تكون له السيادة المطلقة على الجميع من دون استثناء ولذا فهذا الحاكم يعمل من خلال الأمر بالمعروف وتشجيع الناس على التزام القوانين وتطبيقها وضرورة الرجوع إليها لضبط الأمور وحسن سير الأعمال وكذلك يعمل من خلال النهي عن المنكر عبر إقامة الحدود وإجراء التعزيرات ضد المخالفين من أجل كبح جماح ضعاف النفوس الذين قد يتأثرون بالمخالفين والعاصين فيما إذا لم يُعاقبوا على تجاوزاتهم.
وقد ورد في بعض الكلمات عن أهل بيت العصمة “عليهم السلام”: ( من أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن, ومن نهى عن المنكر قصم ظهر المنافق)
هذا التفسير الإجمالي لهذه الآية الشريفة عن مواصفات المؤمنين فيما لو مكّنهم الله في الأرض وجعل الأمور بأيديهم لا نجد من مصاديقها البارزة عبر التاريخ إلا قلة من الحكّام يكادون ينحصرون في الذين حكموا انطلاقاً من العقائد الإلهية التي آمنوا بها.
ومن جملة هؤلاء ومن أبرزهم أيضاً هو علي بن أبي طالب ”عليه السلام” الذي أقام في فترة حكمة موازين الحق والعدل وفق الشريعة الإلهية المحمدية الخاتمة, وصار حكمه مضرب المثل والأنموذج لكل ساعٍ إلى إحقاق الحق إزهاق الباطل .
إن حكم علي”عليه السلام” للأمة وإدارته لشؤونها الذي كان القمة في التجرد عن الهوى والتعصب والمثل الأعلى في الابتعاد عن كل ما فيه شائبة أو شبهة المنفعة الشخصية على حساب مصلحة الأمة ينبغي أن يكون المقياس عندنا للحكم على كل من يدير شؤون الناس وينصب من نفسه حاكماً عليهم.
ولعل أروع تعبير تركه أمير المؤمنين "عليه السلام" في هذا المجال هو ما قاله موصياً العاملين معه: (أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد)، لأن الحاكم عندما يوصي العاملين معه بهذا, فإن معنى ذلك أنه الحريص لا على مصالح الأمة فقط بل على الجهاز العامل أيضاً خوفاً من سقوطه أمام المغريات والرشاوى التي يعرضها أصحاب المصالح لتمرير مشاريعهم على حساب المصالح العامة للعباد والبلاد معاً.
والحمد لله رب العالمين.