الخميس, 28 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الحوزة والجامعة عند الإمام "قده"

sample imgage

من القضايا المهمّة التي أثارها الإمام الخميني "قده" وأعطاها أولوية تتناسب مع حجم تأثيرها هي قضية (الحوزة والجامعة) التي تعالج العلاقة ما بين العلماء خرّيجي الحوزات الدينية والطبقة المثقّفة التي تخرّج أغلب أفرادها من الجامعات في شتّى حقول المعارف الإنسانية العامّة.

والسبب في تركيز الإمام "قده" على هذه القضية هو أنّ هاتين الفئتين هما ركيزة العلم والمعرفة ومنبع الحركة الفكرية والأساس للحركة الإنتاجية في المجتمع على كلّ المستويات، ونظراً لحساسية هذه المسألة أدرجها الإمام "قده" في وصيّته كتعبيرٍ عن ضرورة إيلائها ما تستحقّ من الرعاية والإهتمام.

 

والسبب الآخر أيضاً هو النظرة السلبية التي كان يحملها كلّ فريقٍ عن الفريق الآخر نظراً لاختلاف البرامج الدراسية والأساليب المتّبعة في كلٍّ منهما، فالدراسات الحوزوية لم تخرج عن الإطار التقليدي المتّبع منذ مئات السنوات، بينما الدراسات الجامعية تقوم على أساس الإبداعات التي حقّقها الإنسان في مجالات المعرفة المختلفة مع تطويرٍ في البرامج والمناهج، والدراسات الحوزوية مقتصرة على أنواع المعارف الدينية الإسلامية بالخصوص ولا تلحظ الفكر الوضعي الإنساني كجزءٍ من برامجها، والدراسات الجامعية تلحظ الفكر الوضعي كأساسٍ ولا تلحظ الفكر الديني إلاّ بمقدار ما يدخل ضمن المنهاج الدراسي كمادةٍ للمقارنة في بعض أنواع الدراسات الجامعية.

وبما أنّ الإنسان هو ابن الفكر الذي ينهل من معينه، فقد أدّى ذلك في أكثر الأحيان إلى حصول حالاتٍ من الجفاف في العلاقة بين هذين الفريقين انعكست اتهامات متبادلة بينهما، فالحوزويّون يتّهمون الجامعيين بأنّهم لم ينالوا حظّاً من المعرفة بالإسلام وبالتالي هم غير جديرين وغير مؤهّلين لأن يتدخّلوا في قضايا الفكر الإسلامي لأنّهم يعرِّضونها بهذا للتشويش أو للمسخ، والجامعيون يتّهمون الحوزويين بأنّهم منغلقون غير منفتحين ولا يريدون التطوّر أو التقدّم لأمّتهم وشعوبها، وأنّهم سببٌ لتخلّفها وتقهقرها وتراجعها.

ومن هنا كانت الجامعات معاقل لكلّ أنواع الفكر الوضعي بكلّ توجّهاته الإلحادية منها وغيرها، والحوزات كانت وما زالت المعاقل الأساسية للفكر الديني، وكانت كلٌّ من الحوزة والجامعة تؤثّر في المحيط الإجتماعي العام تبعاً لقوّة موقعها وتوجّهات المجتمع، ففي المجتمعات التي يغلب عليها طابع التديّن كانت الحوزة هي المؤثّرة، وفي المجتمعات المنفتحة على كلّ التطوّرات الفكرية كانت الجامعة صاحبة التأثير الأكبر، بل في بعض البلدان كان الأمر مختلفاً ما بين المدن حيث الجامعات، والأرياف والقرى والمناطق البعيدة عن تأثير الفكر الجامعي الوضعي بأغلبه، فكان تأثير الجامعيين في المدن أكبر بينما تأثير الحوزويين في المناطق الأخرى أكثر.

ولا شكّ أنّ هذا الصراع الخفي بل المعلن في بعض الحالات كان يلعب دوراً سلبياً في نفوس العامّة، فالحوزوي من موقعه الديني له تأثيره التاريخي في مجتمعه، والجامعي بدوره المتجدّد أو الجديد له تأثيره بما عنده من خبرة واختصاص في أحد حقول المعرفة التي هي مورد حاجة المجتمع.

الإمام "قده" الذي عاصر هذه الحالة طويلاً وعايش تأثيراتها من الطرفين معاً كان يرى أنّ المستفيد الأكبر من تلك العلاقة السلبية أو على الأقل غير المنسجمة الأنظمة المتسلّطة التي كانت تغذّي في الكثير من الأحيان هذه العلاقة السلبية لتكون قادرة على تجيير كلّ طرفٍ لصالحها.

من هنا كان يدعو "قده" إلى ضرورة أن تتلاقى هاتان الفئتان طالما أنّهما لخدمة الأمة وشعوبها ونضالاتها، بل أن تتوحّدا لمواجهة الأخطار المحدقة والمؤامرات الشيطانية التي تخطّطها دوائر الإستكبار العالمي وتنفّذها الأنظمة العميلة، وكان يرى أنّ ضمّ جهود هاتين الفئتين كفيل بالنهوض بالشعب قيامة الكتلة الواحدة المتراصّة، باعتبار أنّ منبع الإختلاف في التوجّهات هو من هذين الموقعين، فإذا تواصلا وتكاملا واتّحدا، انعكس ذلك وحدة في مسير الشعب ووحدة في توجّهاته وأهدافه.

ومن النصوص المهمّة عند الإمام "قده" حول هذا الأمر :(إنّ لمسألة الحوزات العلمية والفقهية والجامعات أهمية خاصة لأنّها بمنزلة المواد الخام لإمكانيات الشعب والدولة، فهذان المقامان مرجعٌ لنشر حقائق الإسلام والمسائل السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ومسائل أخرى هي موضع اهتمام الدولة، ومع وجود هذه الفئة من الروحانيين والجامعيين تدبّ الحياة في أوصال الدولة، وبالتالي فإنّ صلاح هؤلاء وإصلاحهم ينتهي إلى صلاح الدولة، وكذلك فإنّ فسادهم – لا سمح الله – منشأ لفساد الشعب، إذ لو أنّ المدرسة والجامعة كانتا فعّالتين وصالحتين لما كانت الحكومات الماضية والقضاء الماضي في تلك الحالة المزرية التي كانت سائدة، ولما حصلت تلك المصائب لدولتنا وشعبنا).

من هذا كلّه ينبغي على العاملين السعي الدؤوب من أجل تحقيق هذا التواصل ما بين الفريقين نظراً لتأثيراته الإيجابية التي لا تخفى على أحد.

والحمد لله ربّ العالمين