الخميس, 28 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الإمام "قده" والإكتفاء الذاتي

sample imgage

من القضايا الأساسية التي كان الإمام الخميني "قده" يشدّد على ضرورة الإهتمام بأمرها هي قضية (الإكتفاء الذاتي) التي تلعب دوراً كبيراً في تحرير إرادة نظام وشعب الجمهورية من أيّ ضغوطاتٍ أو تأثيراتٍ يمكن أن تمارسها القوى الكبرى التي تهيمن على الساحة العلمية والصناعية والتكنولوجية ولا تسمح لأبناء شعوب العالم الثالث المستضعف بالوصول إليها حفاظاً على المراكز المتقدّمة التي وصلت إليها تلك الدول بواسطة ذلك التقدّم العلمي والتكنولوجي الذي سخّرته لإخضاع دول العالم.

 

ولم يقتصر تأثير تلك الدول على المجالات الصناعية فقط، بل بما استطاعت أن تطوّره من أساليب المكننة الزراعية وزيادة إنتاجها من الحبوب والغلاّت فعملت على محاربة الكثير من الدول التي تتمتّع بقوّة زراعية تمهيداً لإضعافها من هذه الجهة وجعلها رهينة لها أيضاً على مستوى الغذاء ولقمة العيش الأساسية، وهذا ما نلاحظه في الكثير من الدول التي كانت مصدّرة لأنواعٍ عديدة من المواد الغذائية الرئيسية فإذا بها تصبح مستوردة لهذه المواد كمصر وإيران وغيرهما.

الإمام "قده" الذي كان يلمس معاناة شعبه ومعاناة أمّته الإسلامية من هذه الهيمنة الإستكبارية، وكان يرى النهب المستمر والمتواصل لثروات الأمّة من جهة، وإضعاف قدرات هذه الأمّة على كلّ المستويات العلمية والصناعية والغذائية، وعايش الفترة الحرجة التي توقّفت فيها المصانع الكبيرة والمهمّة عن العمل والإنتاج في الجمهورية بسبب غياب المهندسين الأجانب الذين كانوا يُشغِلون تلك المؤسسات الإنتاجية الضخمة ممّا أدّى إلى إيقاف عجلة العمل فيها لسنوات لعبت دوراً سلبياً على مستوى عموم الشعب المسلم في إيران.

إنّ تلك المعاناة كانت نموذجاً صارخاً عن مقدار الأذى وحجم المعاناة التي يمكن للدول القوية أن تسبّبها للأمّة ولأيّ شعبٍ مسلم يريد الإقتداء بالشعب المسلم في إيران.

من هنا كانت صرخة الإمام "قده" وكانت نداءاته المتكرّرة والمتوالية للشعب المسلم في إيران بأن ينفض عنه غبار الإتكالية على ذلك العالم المفترس والفارغ من كلّ رحمةٍ إنسانية، وأن يشمّر عن سواعد أبنائه ويستغلّ قدراته في سبيل تحقيق الإكتفاء الذاتي على مستوى ذلك الشعب أولاً، وليعطي الأمّة الإسلامية نموذجاً قابلاً للتكرار من خلال إبراز قدرة هذه الأمّة على أن تصنع حاضرها وتخطّط لمستقبلها من دون الإرتهان للخبرات والآلات المستوردة من ذلك العالم المدّعي للتمدّن.

ولهذا نراه "قده" يربط استمرار الثورة والدولة بالوصول إلى درجة الإكتفاء الذاتي ويقول :(إذا أراد شعبنا الشريف أن ينتصر في هذه الثورة فعليه أن يشمّر عن ساعده ويبادر إلى العمل من داخل الجامعات إلى الأسواق والمعامل والمزارع والحقول حتّى الوصول إلى الإكتفاء الذاتي والوقوف على قدميه).

إنّ هذا التأكيد الصادر عن الإمام "قده" كان خير معين لأبناء ذلك الشعب الكبير لكي يبرز أبناؤه قدراتهم وكفاءاتهم العلمية والصناعية، وكان خير عامل لزرع الثقة والعزم والتصميم على خوض غمار تلك الميادين بدلاً من عملية الإرتهان للخارج مع ما فيها من مهانةٍ وإذلالٍ واستجداء.

ولهذا كان يدعو إلى عدم السقوط أمام الأزمة الإقتصادية التي عملت تلك الدول على إيصال الشعب إليها، وكان الردّ هو التشديد على ضرورة الشروع بالتحصين الداخلي من خلال عملية بناء شاملة ينهض فيها الشعب بفئاته كلّها لمواجهة الآثار والنتائج السلبية لأيّ حصار، ولهذا يقول "قده": (نحن لا نخاف من الأزمة الإقتصادية ولا من غيرها من الأمور الأخرى، ولقد بنينا على أن نزرع ونحصد بأنفسنا وسوف نأكل من إنتاجنا ولن نعطي فرصة لأحد حتى يأتي وينهب ثرواتنا...).

ومن هنا فإنّ الحصار الذي فرضته أمريكا على إيران قد يكون لعب دوراً سلبياً من جهة، إلاّ أنّ ذلك الشعب المنقاد لقيادته الحكيمة استطاع أن يستوعب ذلك الحصار ويحوّله إلى عامل إيجابي على مستوى تطوير معامله وصناعاته وعلى مستوى الكثير من الأمور التي كانت إيران زمن الشاه تتّكل فيها على الدول الكبرى.