دلالات يوم الغدير المبارك
قال الله تعالى في محكم كتابه: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
اليوم المشار إليه في الآية الكريمة هو الثامن عشر من ذي الحجة الحرام من السنة العاشرة للهجرة بعد رجوع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من الحج مبلغاً لأمته بمبدأ الإمامة والولاية تنفيذاً للأمر الإلهي: { يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}، والعصمة هنا بمعنى" أنّ الله يحميك ويصونك من تكذيب الناس لك بما ستبللغهم إياه عن الله عزّ وجلّ".
خطبة المتقين
بما أنّنا نعيش في رحاب شهر الله المبارك شهر الصوم والقرآن نوجه الكلام نحو خطبة المتقين لإمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي عاش "التقوى" فكراً وسلوكاً في القول والفعل في المعارضة والحكم مع القريب والبعيد ومع الصديق والعدو.
ولا شكّ أنّ التقوى هي الصفة التي يحبّها الله ويرتضيها لعباده، والمتّصفون بها هم الفئة الأكثر قبولاً وتقديراً عنده طبقاً للآية الكريمة: {إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} .
خطبة المتقين(2)
ثمّ يواصل إمام المتقين حديثه عن أوصاف أهل التقوى ويقول بأنّ هؤلاء عندما يكونون في حالة ابتلاء فإنّهم يعيشون الأمل بالله عزّ وجلّ وكأنّهم في حالة رخاء فلا جزع عندهم ولا وجل، وإذا كانوا في حالة رخاء فإنّهم يعيشون الخوف من الله من أن يفتنوا بالنعمة ولهذا فهم لا يبطرون ولا يخرجون عن إطار الحدود الشرعية والأعراف الأخلاقية فيما رزقهم الله وأقدرهم عليه،ولذا يقول (عليه السلام): ( ...نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرّخاء...).
خطبة المتقين(3)
ثمّ يتابع أمير المؤمنين كلامه من أوصاف المتقين، ويتحدث عن شؤونهم في النهار وكيف حالهم فيه، وما هو ديدنهم معه فيقول (عليه السلام):(.... وأمّا النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ويقول : قد خولطوا ولقد خالطهم أمرٌ عظيم....).
فالمتقي هو الحليم الذي يحسن إدارة الأمور فلا يغضب لأتفه الأمور ولا ينفعل ولا يخرج عن حالة الإتزان في قوله وفعله ويستوعب الآخرين بصبره وحكمته وهو العالم الذي لا يدخل في شىء إلا إذا عرف من أين أو إلى أين ينتهي ويدرك العواقب والنتائج التي تترتّب على ما يعلم فإنّ كان ممّا يرضي الله قام به، وإن لم يكن ممّا يرضي الله تركه واستغني عنه، ولهذا تراهم يحتاطون في التعامل مع الأمور فلا يتسرّعون ولا يسمعون لأنفسهم أن تمنعهم من تسخير ما يعلمون لأجل ما يعملون.
حديث عن السيدة الزهراء (عليها السلام)
عندما ننطلق لنتحدّث عن الزهراء (عليها السلام) الحاملة للقب سيدة نساء العالمين .... فهذا يعني لسنا في مقام الكلام عن شخصية نسائية متعارفة وشائعة، وإنّما نتحدّث عن نموذج إنساني رفيع إستطاع أن يكون مثلاً وقدوة لا لخصوص المشتركين مع ذلك النموذج في الصورة والشكل وإنّما للإنسان كلّه وللأزمان كلّها، وقيمة هذا النموذج أنّه ينطلق من حيث ينطلق الآخرون في هذه الحياة الدنيا بأجسادهم وأرواحهم وأفكارهم، لأنّهم استطاعوا أن يجسّدوا الفكر الإلهي الخاتم الذي نطلق عليه إسم الإسلام بأروع ما يكون التجسيد وعلى مستوى كلّ القضايا المعاشة في الواقع الحركي، الكبيرة منها المتعلّقة بالمصير العام، أو الصغيرة التي لا تتعدّى حدود العائلة، ولهذا نضع الزهراء(عليها السلام) كما هي في واقعها الذي حققته في مساق النماذج التي تمكّنت أن تتجاوز عصرها والجغرافيا التي كانت تتحرك فيها، لتصبح حقيقة على مستوى تطبيق الفكر والسلوك بحيث يسعى كلّ إنسان وفي كلّ زمان لكي يكون في أقرب حالةٍ ممكنة من تلك النماذج لأنّها الحجة الكبرى على قدرة الإسلام على صنع مثل أولئك الأفراد الذين فرضوا صورتهم وحضورهم الفاعل في كلّ زمانٍ ومكان.