سبل السلام لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد

ميزة الحياة الإنسانية أنّها تنشأ عن إرادة واختيار من دون ضغط أو إجبار وإكراه، وتلك الميزة هي التي كانت تدفع بالشعوب غالباً إلى الثورة على الأوضاع المنحرفة التي كانت تمارسها الأنظمة الديكتاتورية التي كانت تصادر من خلال قدراتها حريّات الأفراد وتحدّد لهم اختياراتهم بحدود المصالح المتطابقة مع حجم الحكم الديكتاتوري المستبدّ وساحة أهدافه المنحصرة غالباً بالتربّع على قمة السلطة دون النظر إلى المصالح العامّة للمجتمع إلاّ بمقدار ما تؤدّي إلى تقوية السلطة وتدعيم وتركيز قوّة الحاكم الظالم.

{ قال الله تعالى في محكم كتابه: { ومن أحسن مولا ممّن دعا الى الله وعمل صالحا وقال إنّني من المسلمين )

                  تعتبر هذه الآية الكريمة التي يطرحها القرآن بصيغة الإستفهام من الآيات الدالّة على المواصفات الإجمالية للمؤمن المسلم الذي يلتزم حدود الشريعة في أوامرها ونواهيها وكلّ توجيهاتها الأخلاقية ، وتعتبر أنّ مثل هذا الإنسان عندما يكون على سيرة الحرص والإلتزام بالتعاليم هو الذي يحقّ له أن يدعو نفسه بالمسلم لأنّه ممّن يطابق فعله قوله وعقيدته .

 من المشهور في تاريخ الإسلام وإلى اليوم أنّ الشعية هم الذين تحمّلوا مسؤولية إحياء ذكرى موقعة كربلاء التي نتج عنها إستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) والصفوة من أهل بيته وأصحابه المخلصين في مواجهة الحكم الأموي المتمثّل يومها بيزيد بن معاوية الذي فرضه أبوه خليفة على الأمّة الإسلامية وأراد لها أن تنصاع وترضخ لذلك الإختيار.

            وهذا الأمر أدّى عبر العصور إلى أن تبدو "كربلاء" وكأنّها قضية مذهبية تخصّ القسم المعلوم من الأمّة الإسلامية، وكأنّ المسلمين الآخرين لا ارتباط لهم بها من قريبٍ أو بعيد، فنتج عن كلّ ذلك تحجيم الثورة وتقليص دورها وتأثيراتها إلى الحدود المذهبية الشيعية فقط.

لقد شكّلت أرض فلسطين محوراً مهمّاً في تاريخ الإسلام قديماً وحديثاً، وكأنّه كُتِب على تلك الأرض المقدّسة أن تكون المنطلق لنهضة الأمّة بعد كلّ كبوة تقع فيها نتيجة تضافر الظروف السلبية لذلك.

            فمن أرض فلسطين بدأ انحسار الغزو المغولي بعد الهزيمة التي ألحقها جيش المسلمين بجحافل التتار الغزاة في معركة عين جالوت 658 هجرية، إلى أن استطاع المسلمون إلحاق المغول بالدين الإسلامي وصهروهم فيه كإحدى القوميّات التي انصهرت في هذا الدين كالفارسية والتركية والعربية وغيرها.

            ومن تلك الأرض كانت هزيمة المشروع الأوروبي للعالم الإسلامي والذي كانت "الحملات الصليبية" كما يصطلح على تسميتها الأداة التنفيذية.

مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف يكثر الحديث عن الوحدة الإسلامية وأهميّتها وضرورتها للمسلمين في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ فيه الأمّة، ويتبارى الكثيرون في الدعوة إلى إقامة الإحتفالات الخطابية والمنبرية للتعبير عن هذا الأمر المهم الذي يتّفق الجميع عن المزايا الإيجابية المترتّبة عليه.

            إلاّ أنّه ممّا يؤسف له حقاً، أنّ هذه الدعوة تكاد تصل إلى حالةٍ من الحالات الطقسية التي يقتصر النشاط فيها على كونها مجرّد ذكرى نحتفل باسمها ونجتمع عليها من هذا المنظار، ثمّ بعد زوال مفعولها يعود كلّ منّا إلى قوقعته المذهبية يتحصّن فيها ويعمل على منع اختراقها من قبل الآخرين، بل قد يصل الأمر ببعض دعاة الوحدة إلى التخلّي عن هذا الشعار قولاً وعملاً إذا شعر بالخطر على موقعه المذهبي.

قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان...}.

            تشير الآية المباركة إلى أنّ الله عزّ  وجلّ يدعو المسلمين والمؤمنين إلى التعاون فيما بينهم على أمور البر والخير والإحسان لما فيه صالح المجتمع الإسلامي

  وتماسكه وترابطه وانشداد فئاته المختلفة على كلّ المستويات إلى بعضها البعض بحيث تصبح كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر

 والرعاية.