سبل السلام لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد

إنّ المتأمّل في النصوص التي تركها الإمام الخميني "قده" حول المرأة المسلمة من حيث الموقعية والدور ، يرى فيها ما يشبه الثورة على الواقع القائم لهذا العنصر الفاعل والحيوي في مسيرة الأمّة ، فخطّ الإمام يعمل على تحرير المرأة المسلمة من الجهل والتخلّف اللذين فرّضتهما قرون الإنحطاط حيث كانت النظرة إلى المرأة سطحية وأنّها أداة للمتعة ولا ينبغي لها أن تشارك في الحياة السياسية أو الثقافية أو التبليغيّة وغير ذلك ، ولهذا عاشت محرومة من حقوقها الإنسانية الأساسية في التعليم وإبداء الرأي ، وكانت مقهورة لإرادة الرجل ومسخّرة لخدمته وتحقيق رغائبه وطلباته .

من أهم ما يميّز القائد في مفهومنا الإسلامي أن يكون حريصاً وغيوراً ومندفعاً نحو القيام بكلّ ما يؤدّي إلى ترسيخ الإسلام في النفوس وما يقوّي الإرادة ويشدّ العزائم ويشحذ الهمم نحو الوصول إلى الأهداف الكبرى لهذا الدين.

من هذا المنطلق نجد أنّ الإمام الخميني "قده" بمجرّد أن انتصرت الثورة الإسلامية المباركة في إيران وجَّه إهتمامه بشكلٍ كبير نحو تعليم الشعب وتلقينه القراءة والكتابة لرفع الأميّة ومحوها، تلك الأمية التي كانت متفشية بين أوساط الشعب، خصوصاً في القرى والأرياف التي كانت مهملة ومستبعدة وليست جزءاً من إهتمامات النظام الشاهنشاهي الذي كان حاكماً قبل انتصار الثورة.

للإمام الخميني "قده" في مجال الحديث عن الطبقات الحاكمة ونفسيّاتها الكثير من النصوص التي تنفذ إلى أعماق أولئك، فيحلّلها ويكشف عن الأسباب الدافعة لتلك الطبقات إلى أن تمارس الظلم والقهر لحياة المجتمعات على المستويات كافّة، وتنتج عن ذلك المآسي والفجائع والأنحرافات التي تهدّد بتدمير الحياة الإجتماعية إذا لم يتوافر في مواجهة تلك الطبقات من يستطيع الوقوف بوجه كلّ أنواع الإذلال التي تمارسها.

من الواضح جداً أنّ إلقاء الإنسان المسؤولية على الله وحده في إنجاز ما هو مطلوبٌ منه أمرٌ مخالف للإسلام، وكذلك الركون إلى المقاييس المادية البحتة، والإحتكام إليها مجرّدةً أمرٌ غير مرغوب فيه، فالمسألة إذن هي بين الله والإنسان بمعنى أن يقوم هذا العبد المخلوق من جانبه بتهيئة كلّ الإستعدادات وتوفير كلّ الإمكانيات المتوافرة لديه وفق القدرة، ثمّ يتّكل على الله طالباً منه المد والعون، تماماً كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك الرجل الذي ترك ناقته :(إعقِلْها وتوكّل).

وقد كانت هذه الصفة ملازمة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) واصطبغت بها حياتهم حتّى صارت شعاراً لهم دون سواهم برزت بكلّ قوّةٍ ووضوحٍ في العديد من المواقف، فها هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن أُدميَت قدماه عندما رفض أهل الطائف يقول :( اللهم إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي)، وها هو علي (عليه السلام) يبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من دون أن يسأل عن مصيره بل يقول: (أوَتسلم يا رسول الله؟)، وها هو الحسين (عليه السلام) يقول بلسان الحال :( إلهي تركت الخلق طرّاً في هواك وأيتمت العيال لكي أراك).

من الواضح أنّ كلّ دولةٍ تقوم على مجموعة من المؤسسات الدستورية التي تهتمّ بالجوانب التشريعية والتنفيذية على مستوى كلّ ما تحتاجه حركة المجتمع، والمفترض أن تكون قادرة على المواكبة والتتبّع حتّى تستطيع القيام بما هو مطلوب منها وقت الحاجة، فلا تتأخّر عن حركة شعبها بنحوٍ يلزم عن ذلك تخلّف، ولا تتقدّم بحيث لا تستطيع الناس المتابعة.

من هنا، فالوظيفة الأساس لمؤسسات الدولة هي مراعاة المصالح العامّة للشعب والسعي للحفاظ عليها وتقويتها من جهة، واجتناب المفاسد العامة ومحاولة إنقاذ الشعب منها إن كانت قائمة.